في تاريخ الأمم والشعوب قامات تشغل مساحة كبيرة في الذاكرة، تستحضرها الأجيال في كل حين، لتستمد منها العزيمة، ولتشعل في موقد الروح جذوة العزة، وحماسة الفرسان.
وفي ذاكرتنا الوطنية الزاخرة بالشهداء والأبطال نستذكر اليوم «مشهور حديثة» رمزاً من رموز البطولة والفداء، وأسماً طالما اقترن بساحات القتال والصمود، «مشهور حديثة» من الأردنيين الذين أنجبتهم الصحراء، وعاشوا في فيافيها، وتشربوا قسوتها، فكانوا سياجاً للوطن، يحمون حدوده بحد سيوفهم، ونيران بنادقهم.
«مشهور حديثة» وجنوده الأشاوس هم من كتبوا في دفتر الوطن بمداد الهاشميين صفحة الكرامة، وغرسوا في قلوبنا نبتاً للتضحية، وفي عقولنا فهماً حقيقياً لمعنى أن تكون إلى صف الوطن.
في خندق الكرامة صمد « مشهور حديثة » وجنود الجيش العربي، متسلحين بإيمانهم بالله وحب الوطن الغالي وقيادته الهاشمية، صدورهم دون الوطن وعيونهم صوب القدس، واجهوا بأجسادهم غطرسة المعتدين، ونيران المدافع، همهم أن لا تُمسَّ الكرامة، وأن لا تفزع الأمهات وهنَّ يهدهدنَّ إغفاءة الأطفال، ولا يخالط رائحة الشيح لوثة تعكر عبق الصحراء، لكي يبقى السمَّارُ في أفنية المنازل يروونَّ حديث الحصادين وقصص الفرسان. في الكرامة صنعوا درساً عسكرياً لم تألفه ساحات المعارك، ولم يتعلمه الضباط والعسكر، درساً أردنياً بامتياز أستعصى فهمه على من لا يدرك معنى التضحية والشهادة في سبيل الوطن.
في مثل هذه الأيام وقبل خمس عشر عاماً غادرنا « مشهور حديثة » إلى لقاء بارئه مخلفاً وراءه تاريخاً حافلاً بحب الوطن ومطرزاً بشجاعة الفرسان وتضحية الشهداء، وذكرى لن تغادر ذاكرتنا، وستبقينا نمتلك رصيداً هائلاً من الفخر برجالنا وجنودنا وجيشنا العربي، فبمثل «مشهور حديثة» وغيره الكثير من الأردنيين وبجهدهم وسهرهم على تجنيب الأردن المخاطر والصعاب، وحبهم لقيادتهم، استطعنا أن نبني وطناً نفاخر به العالم، وطنا صمد في وجه العواصف آمناً مطمئناً، ترتقي فيه التنمية والتطور يوماً بعد يوم، فندعو الله أنَّ يرحم أرواح هولا الرجال ويتغمدهم بواسع رحمته.
Rsaaie.mohmed@gmail.com
مواضيع ذات صلة