بات في حكم المؤكد حسب تصريحات رئيس الوزراء ووزير الداخلية أن تجرى انتخابات مجالس المحافظات وفق قانون اللامركزية في الصيف المقبل بين شهري تموز وآب 2017، وستجرى متزامنة مع انتخابات المجالس البلدية في يوم واحد، ويبرر هذا التزامن وجود علاقة وثيقة بين البلديات ومجالس المحافظات، من حيث التشابك الخدمي بينهما ،وربما التدخل في الصلاحيات، إن لم يكن تضارباً يصعب الحكم عليه مسبقا قبل التطبيق العملي.
على صعيد الاستعدادات اللوجستية والاجراءات العملية، لإجراء الانتخابات فقد باتت محسومة ، فهي من صلاحية الهيئة المستقلة للانتخاب التي خولها قانونها تنظيم عملية الانتخابات والاشراف عليها ، والى جانب ذلك بدا الحراك الانتخابي مبكرا في المحافظات لمن يرغبون بالترشح، والعمل لإبرام صفقات بين القوى الاجتماعية و العشائرية، بناء على ما أفرزته الانتخابات النيابية الاخيرة.
وقبل أيام صدر في الجريدة الرسمية نظام الدوائر الانتخابية لمجالس المحافظات ،الذي قسم المملكة الى 145 دائرة خصص لها 270 مقعدا، بينها 27 مقعدا للنساء «كوتا» لجميع المحافظات ،وقد يحفز على التنافس وجود مكافآت مالية لم تتضح قيمتها بعد، فيما حدد نظام رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والمحلية لسنة 2016 ،الذي صدر قبل أيام رواتب مغرية لرؤساء تلك المجالس وفقا لفئة البلدية كالتالي :» 900 دينار لرؤساء بلديات الفئة الأولى و800 للثانية و700 للثالثة»، أما رؤساء المجالس المحلية فحددت رواتبهم بــ» 600 لرؤساء البلديات المصنفة أولى و500 للثانية و400 للثالثة» ، بالإضافة الى مكافآت أخرى مجزية تحت عناوين مختلفة.
ورغم الحماس الكبير لهذه النقلة النوعية في الحكم المحلي ،التي تهدف الى مأسسة العمل البلدي والخدماتي، من خلال تأسيس مجالس على مستوى المحافظات ، تضم في عضويتها أعضاء معينين ومنتخبين فيما يشبه الحكومات والبرلمانات المحلية، بهدف دفع عجلة التنمية في المحافظات ، وهو يصب في سياق عملية التحول الديمقراطي، لكني مثل كثيرين يتخوفون ويحذرون من سلبيات قد ترافق عملية التطبيق ،بناء على ملاحظات تتعلق بأوضاع البلديات المترهلة والعديد منها يواجه أزمات مالية وادارية خطيرة، فضلا عن كون الواقع الحالي في العديد البلديات يتضارب مع فكرة اللامركزية الادارية، والخشية أن تنتقل العدوى الى مجالس المحافظات ،في ضوء ضعف الثقافة الديمقراطية والاستعداد لتوزيع الصلاحيات، والابتعاد عن عقلية «الزعيم»، الذي يمسك بمفاتيح كل الأبواب.
مؤخرا روى لي أحد المواطنين معاناة كبيرة ، واجهها مع إحدى البلديات لإنجاز معاملات ضرورية لبناء منزل صغير، فالبلدية لها عدة مكاتب موزعة على تجمعات سكانية تابعة للبلدية وكأنها بلدية باريس وبدل أن تكون هذه الفروع وسيلة للتسهيل وتيسير معاملات المواطنين ،فان ما يحدث العكس.. تعقيدات بيروقراطية، حيث يتنقل صاحب الحاجة بين المركز وبين الفرع في منطقته، ويقطع مسافة عشرات الكيلومترات لاستخراج الأوراق المطلوبة وختمها وتوقيعها ،رغم أنها يمكن أن تنجز في مكان واحد بسهولة ، بل أن استخراج « إذن اشغال» يتطلب توقيع رئيس البلدية ،الذي في كثير من الأوقات يكون مشغولا في اجتماعات أو يقوم بجولات ميدانية، وفي الواقع أن موظفا صغيرا يمكن ان ينجز المعاملة
هذا نموذج محبط على سلوكيات تتنافى مع مبدأ اللامركزية، وهي حتما موجودة في العديد البلديات، وستظهر مثلها في مجالس المحافظات ، ومع ذلك فان الانتقال الى اللامركزية الادارية خطوة مهمة ،باتجاه تعزيز السلوك الديمقراطي ،فهي مثل العمل البرلماني ،يرافقه سلبيات خلال الانتخابات وأثناء الاداء العملي. لكنه ضرورة لتمثيل المجتمع. مع التأكيد على أن الهدف الأساس من اللامركزية ، هو إدارة المجتمعات المحلية وتنظيم شؤونها الخدمية والتنموية ، ولتخفيف الضغط الاجتماعي عن النواب لكي يتفرغوا للعمل التشريعي والرقابي ، بدل الاستغراق في الشؤون الخدمية ،رغم أن الواقع الاجتماعي لم يصل بعد الى تفهم هذه المعادلة ،حيث لا يزال يعتبر النائب واسطة للحصول على الخدمات والوظائف والقيام بالواجبات الاجتماعية.
Theban100@gmail.com
مواضيع ذات صلة