الحب يعرفه الفقراء وحدهم , الأثرياء لايعرفون الحب أبدا ...وأتذكر أني كنت عاشقا ولها , وكنت فتى مغرما ..حول دفتر العلوم في الليل إلى مكان يفرغ فيه عبارات الشوق , وقصائد النثر ..أصلا مادة العلوم لم تكن مهمة كثيرا لدي , لهذا جعلت من دفترها... أوراقا كلها كانت رسائل حب في ليلى ولم تصلها أي واحدة منها ...
كنت أهرب في الحصة الخامسة , من المدرسة , فأنا أحتاج لربع ساعة على الأقل من أجل خلع الزي المدرسي , ووضع القليل من زيت الشعر على رأسي ..ثم رش الكالونيا , وارتداء قميص أصفر ظننت أنه سيغوي ليلى ..ظننت أن قلبها سيذوب حالما تراني ...
وكنت أجلس بجانب السور , مركونا في بحر من الشوق أرقب المريول الأخضر أن يهل علي , والجديلة التي تشبه السنبلة , والأنف الذي يداني اسم الكرك في جماله وكبريائه والألق ...لحظات وتطل الألوية الخضراء ..كنت أسمي البنات اللواتي يسرن في مجاميع وهن عائدات من المدارس (الألوية الخضراء) ...وكم تمنيت لو تحتلني تلك الأولوية , ولو أني أسير بين الأهداب والأهداب ..بين خيوط المريول الأخضر ..أو بين الكحل الخفيف الذي وضعنه على العيون في غفلة من صرامة المديرة – سامحها الله – ورعاها .
كان وطني في ذلك الوقت منذورا للغرام وحده , والحب كان تنشئة تشبه التربية القومية نتشربها منذ الصغر, واللهفة كانت ثورة تشبه ..ما قرأناه عن (ارنستو تشي جيفارا) ...ووميض العيون الذي يصيبني حين تأتي ليلى ..كان يشبه , نجما في سفح سماء ..كأنها أرخت وابلا من الجدائل السود على أكتاف طفل تلوع بالحب ..
لحظات وتمر ليلى بين مجاميع البنات , تمر قائدة اللواء ..والأعلى رتبة في الجمال ..والمدججة بمعارك الشوق , تمر رويدا رويدا ...وترمقني بنظرة صغيرة ...وتمضي , وكانت تلك النظرة تكفي ..كي أعود إلى منزلنا واختلي بنفسي في ثنايا الغرفة وأخرج دفتر العلوم ...وأكتب عليه لوعتي وأرسم ليلى كلمات تتلوها كلمات ...
ذات يوم قررت أن أعطي ليلى دفتر العلوم كله كي تقرأ ما كتبت عنها وكنت قد هربت وكالمعتاد من الحصة الخامسة ..وقد أخبرني أبي انه سيصحبني معه لعمان في مشوار ..وأنا قلت في داخلي سأراها قبل ركوبي السيارة ..وربما سأقوم بتأجيل قصة الدفتر قليلا ...لكن أبي وقبل أن تأتي الألوية الخضراء , ناداني وصعدت معه في السيارة ...وكانت حقيبة ملابسي في الخلف ,وعلى (التابلوه ) ملف لونه أبيض مكتوب عليه :- الطالب عبدالهادي راجي المجالي ..لم أعرف لماذا وضعوا كل ملابسي بما فيها الأحذية , وحين سألت أبي أخبرني :- بأني سأكمل المدرسة في عمان ..وأن لنا بيت هناك ..وكلنا سننتقل إليها ..لم اصدق ما يحدث لكني أدرت وجهي لشباك السيارة وغافلتني دمعة حرى ..كانت اختصار الحكاية كلها ...أمضيت عاما كاملا من دون عودة للكرك , وكان الشوق يفتك بي كل يوم ...
لقد لوثتني الأيام , وكل ما أبغيه من العمر ..أن تعود لي ليلى, وتعود الألوية الخضراء لاجتياحي , ويعود دفتر العلوم الذي نثرت عليه ..أشواقي ودمعي كل ما أبغيه.. أن يعود لي الوطن الذي تعيش فيه ليلى ..
Hadi.ejjbed@hotmail.com
مواضيع ذات صلة