كتاب

حزب (الفلدة)

في طفولتنا , أو لنقل في أول الصبا , لم يكن في مدرستي (إخونجي ولا شيوعي , ولا يساري , ولا علماني) ..كان يجمعنا نهج واحد وميول سياسية واحدة يتمثل في (حزب الفلدة) ...( والفلدة) تشبه تطور الإنسان وانتقاله من الحياة الصعبة , للحياة البسيطة ..وهي عبارة عن جاكيت عسكري تطور من (الصاك) ..فقد كان في فترة السبعينيات والستينات يسمى بهذا الاسم , وحتى الثمانينات , فقد تم شطبه من عهدة الجيش وتم استبداله (بالفلدة) ...

كان طلاب الصف الثاني الإعدادي جميعهم في الشتاء , يرتدون (الفلدة) وهي تنقسم لصنوف تبعا لخدمة الوالد , فمن له أب يخدم في الأمن العام كان يحظى بلون كحلي , والجيش كان أخضر.. ومن له أب يخدم في القوات الخاصة يحظى (بفلدة مبرقع) ...

كانت دافئة جدا , ومن الممكن أن تنام فيها دون الحاجة لغطاء , وإذا امطرت الدنيا فالبلل لن يصيب جسدك , وفي حصة الرياضة لم نكن نخلعها , فمن الممكن أن تسدد على المرمى من مسافة (90) مترا (وبالفلدة) ...والأهم من ذلك أننا في صباحات الصقيع الكركية , كنا نخفي أيدينا داخل (الكم) الطويل ويحمينا من البرد ...

كان الصف الثاني الإعدادي (ب) بكل منتسبيه من حزب (الفلدة) , فقد كان سلوكنا واحدا ..ورسائل الغرام التي أكتبها لبنات الأول إعدادي (ج) كانت تمر على كل المنتسبين ويقومون بنسخها لزوم الإستعمال المستقبلي ..والقصائد النبطية التي نحفظها واحدة , والأغاني التي نرددها أثناء العودة من المدرسة واحدة , ولم نكن نهتم بالمقاسات , (فالفلدة) بغض النظر عن مقاسها هي في النهاية منهج وتكوين وأيدولوجيا وثقافة .

حين ماتت أمي , قلبت خزانتها , فوجدت (فلدتي) في الصف الثاني الإعدادي والتي لازمتني حتى التوجيهي , وكانت تكبر معي ..ولم تصغر , فهي الرداء الوحيد في العالم , والذي يكبر مع صاحبه ...ولا أدري لماذا احتفظت بها أمي ..ولكن على ما يبدو , فهي لم تتركني بالرغم من أني تركت ارتداءها ..

هذا الصباح لحظة كتابتي المقال , كنت أخرج (هدومي) الشتوية , ووجدت تلك (الفلدة) ..ما زالت كما هي , حتى بقايا الحبر التي غافلت الجيبة اليمنى ما زالت , وبقايا خطوط قلم (البيك) ما زالت على (الكم ) ...كأنها تريد أن تذكرني بشيء لم أنسه اصلا وإنما للتذكير فقط وهو :- أني عبدالهادي بن راجي ..أحد منتسبي (حزب الفلدة) ....

أنا لم أولد (أخونجيا) , ولا (علمانيا) , ولا (يساريا) , ولا (شيوعيا ) ..ولدت على نهج (الفلدة) ...وسأظل كذلك من مرتبات (حزب الفلدة).

Hadi.ejjbed@hotmail.com