والسبب في عدم جواز ائتمان هذين الصنفين من الناس على الأسرار أنهما في أثناء حديثهما قد ينضب ما لديهما من موضوعات وأفكار وأخبار فيأخذان في النبش في ذاكرتهما عن أي موضوعات تخصّ معارفهما وربما أقرب الناس إليهما، فيخوضان في سيرهم وأخبارهم وأسرارهم.
وإذا ما جرّبنا أن ننظر في صفات هذين الصنفين، فإننا نجد أنّ ما يذاع من الأسرار والأخبار يصدر عنهما أكثر مما يصدر عن غيرهما من أصناف الناس، وأنّه لا يخلو أيّ منهما من مشكلة وقعت له هنا أو هناك، أو مع هذا الشخص أو ذاك، بسبب إشاعته أخباراً عنه وإباحة أسراره للناس.
ولكنّ هذا لا يعني أنّ هذين الصنفين فقط هما اللذان ينبغي تجنب ائتمانهما على الأسرار، لكنهما الأكثر استعداداً لامتلاك هذه الصفة الذميمة، بسبب حاجة المرأة الثرثارة لموضوعات تخوض فيها، وبسبب رغبة الرجل الثرثار إلى التباهي أمام الناس بأنه يعرف من أسرار الناس وأخبارهم ما لا يعرفه غيره.
ومن جهة أخرى فإن لهذين الصنفين من الناس أهمية بالغة عند الحاجة، وذلك أنك تستطيع إذا أردت نشر معلومة على الملأ، أنّ تسرّ لهما بها عن قصد وأنت تعلم أنها لن تبقى حبيسة لديهما. فعند ذلك تجد أنها قد شاعت وانتشرت على النحو الذي تتمناه.
ومع ذلك فإنّه لا بدّ من الحذر في التعامل مع هذين الصنفين من الناس، لأنهما في الوقت الذي يشيعان فيه الأسرار ربّما يندفعان قليلاً وتأخذهما الحماسة ويضخمان الأحداث والأخبار ويبالغان فيما يبثانه من أسرار وإشاعات.
ولذلك فإنّ الرجل الحصيف هو الذي يعرف كيف يتعامل مع هؤلاء الثرثارين من الرجال والنساء ومتى يتجنبهم أو يخوض معهم في ما يخوضون فيه، وبذلك يتجنب شرّهم وضررهم وينال خيرهم.
[email protected]
