كتاب

التأمين الصحي في الضمان الاجتماعي هل اقترب تحقيقه ؟!

حسبما أعلنت مؤسسة الضمان الاجتماعي مؤخراً يبدو أن مشروع التأمين الصحي للمشتركين فيها قد يصحو بعد سبات امتد لقرابة اربعين عاماً إذ أن قانونها نص عليه منذ تأسيسها عام 1978 ! ولقد حاولتُ في عام 1985، كمسؤول عن الصحة، إيقاظه من غفوته واقناع المؤسسة بضرورة اخراجه الى حيز التنفيذ لكني فشلتُ واعلنتُ على الملأ أن بعض اصحاب العمل في مجلس اداراتها كانوا وراء تعطيله لأنهم لم يريدوا أن يتحملوا قسطهم المالي فيه (5 %) مع ان العمال وهم الطرف الاضعف والافقر كانوا مستعدين لدفع حصتهم (3%)، ومع ان الدراسات العالمية اثبتت أنه إذ يوفر الصحة الجيدة والطمأنية النفسية للعمال فان الانتاج يزيد وارباح رأس المال ترتفع.

أما المفارقة المؤسفة فهي أن مجلس ادارة المؤسسة يضم في عضويته كذلك الاتحاد العام لنقابات العمال الذي من المفترض أن يكون أول من يحمل لواء المطالبة بتطبيق التأمين الصحي للعمال والمستخدمين لكنه لم يفعل بل لقد بدا طوال هذه العقود الاربعة وكأنه غير معني ربما لأن بعض قادته يتمتعون بتأمين صحي سخي وفرته لهم البنوك والشركات الكبرى كالفوسفات والاسمنت والبوتاس والكهرباء والملكية الاردنية، أو لأنهم يصدقون الحجة الواهية التي تقول إن احد طرفي الانتاج (المستثمر) حين يجد ان عليه ان يساهم في تكاليف المشروع سوف يهرب من سوق العمل فيفاقم مشكلة البطالة !

لمرة واحدة في تاريخها حظيتْ مؤسسة الضمان قبل سنوات قليلة برئاسةٍ واعية تفهمتْ جوهر المشروع وأدركتْ واجبها الوطني والقانوني نحو مشتركيها وعندما اوشكت أن تطبقه تغيّرتْ فجأة أو تم تغييرها ! وها هي اليوم إدارة أخرى تطل علينا بطرح المشروع من جديد فلا نملك إلا أن نستقبله بالترحيب متغاضين عما ضاع على الوطن من وقت طويل ثمين كاد ان يحبطنا، ومتجاوزين عما لحق بالعمال من ظلم ومعاناة كل هذه السنين، لكننا نرى لزاما علينا الا ندعه يمر دون مناقشته بروح ايجابية فنطرح السؤالين التاليين، الأول على وزارة الصحة التي يبدو حسب الأنباء الصحفية انها اصبحت او تكاد تصبح شريكة في المشروع فنسألها مستغربين كيف تقبل ان تتورط فيه وهي التي تكتظ مراكزها الصحية وتمتلئ مستشفياتها يومياً بآلاف المرضى من المواطنين حتى تكاد تعجز عن خدمتهم إلا بصعوبة بالغة، وهي التي تنوء كذلك باعبائها الثقيلة في معالجة موظفي الدولة الممولين الأساسيين لصندوق التأمين الصحي بما يقتطع شهرياً من رواتبهم حتى لتضطر احيانا أن تتعاقد مع المستشفيات الخاصة لخدمتهم مقابل فواتير يسددها عنهم الصندوق، كما انها – أي الوزارة – تعاني ومنذ عشرات السنين من مشكلة تسرب الكفاءات من اطبائها الاختصاصيين للعمل في القطاع الخاص او في دول أخرى حتى ان الحكومة السابقة اضطرت في العام الماضي أي بعد مضي نصف قرن على نشوء المشكلة أن تستجيب لدعوة اللجنة الصحية في مجلس النواب للتداول في أنجع السبل لاقالة وزارة الصحة من عثراتها المتكررة بتوالي استقالة اختصاصييها وكان الاجتماع في مجلس النواب في آب 2015 برئاسة رئيس الوزراء وكنت بين بعض الخبراء الذين دُعوالاعطاء آرائهم في تلك الازمة وكان الحل المقترح هو وضع نظام جديد يحافظ على الكفاءات باعطاء حق العمل الخاص لاطباء الحكومة بعد دوامهم الرسمي لكن وزارة الصحة وضعت المقترح في الادراج رغم متابعة وإلحاح رئيس اللجنة الصحية في المجلس !

أما السؤال الثاني فنطرحه على مؤسسة الضمان الاجتماعي التي لديها من الدراسات الجاهزة (وبينها الاكتوارية طبعاً) التي تؤكد أن التعاقد الافضل لتنفيذ مشروع التأمين الصحي لمشتركيها لا يكون إلا مع القطاع الطبي الخاص الذي تتعاقد معه حاليا وبنجاح ملموس كثيرٌ من الشركات والبنوك لتأمين عمالها ومستخدميها وهم ، كما لا يخفي، من مشتركي الضمان الذين ينبغي ان يحسب حسابهم، والجدير بالذكر ان هذا القطاع نما واتسع وارتقى مستواه واصبح قادرا على تلبية معظم احتياجات المشروع وبكلفة معقولة يمكن دائماً التفاوض حولها من اجل الحصول على افضل الاسعار والاجور لكي تتناسب مع ميزانية الصندوق الذي يساهم فيه العمال واصحاب العمل، ثم نستدرك اخيراً بالقول إن ما لا يتوفر في القطاع الخاص من خدمات في بعض المناطق يمكن شراؤه من وزارة الصحة في مراكزها ومستشفياتها المنتشرة في جميع انحاء المملكة.

وبعد.. مازلت متوجساً خيفة من تراجع مؤسسة الضمان الاجتماعي عن المضي قدماً في مشروعها لأني مازلت ومن تجربة مريرة متكررة غير مطمئن لموقف بعض مجلس إدارتها.