كتاب

الأم تريزيا.. قديسة لعالم اليوم

في عيد الاستقلال 2012، أنعم جلالة الملك عبدالله الثاني ، بوسام الحسين للعطاء المميّز من الدرجة الثانية، على «دار السلام للعجزة” في تلاع العلي، وذلك للجهود الانسانية النبيلة التي تقوم بها منذ تأسيسها عام 1976». فيما تسلّمت الوسام الأخت ماريا اريليه كاروغاتي. والراهبة هذه، كما الدار المكرّمة، هي من نتاج فتاة ولدت في البانيا عام 1910 وأعطيت اسم آغنيس غونكزا بوجاكسيو، الى ان عرفت منذ عام 1937 باسم «الأم تريزيا» في كالكوتا بالهند.

وقبل نيل وسام الحسين بعشرين عاما، وتحديدا في تشرين الثاني عام 1982، كان الملك الحسين بن طلال نفسه، يستقبل الأم تريزيا في قصر الندوة في عمّان، ويعرب لها عن كامل تقديره وتشجيعه لعملها الانساني ذائع الصيت.

ونتكلم عنها اليوم، لأنّها ستدعى الأحد القادم باسم «القديسة» وهو لقب تمنحه الكنيسة الكاثوليكية بلسان رأسها البابا لكل انسان غادر هذه الحياة بطعم القداسة والبطولة الروحية والمحبة الجمّة لله تعالى وللإنسانية جمعاء.

وتعتبر هذه «الأم» من أبرز شخصيات القرن العشرين التي دمغت العالم إلى اليوم ببصمات لا تمحى من العمل الانساني النبيل، بعدما أصبحت خادمة لأفقر الناس في كالكوتا في الهند: فأسست رهبانية مرسلات المحبة، وافتتحت دوراً للأيتام، ونالت العديد من الجوائز العالمية التي قدّمتها للفقراء، وأهمها جائزة نوبل للسلام. وفي يوم تسلمها الجائزة في تشرين الأول 1979، وزّعت صلاة القديس فرنسيس: «يا رب اجعلني أداة لسلامك»، وتلاها كبار الشخصيات معها. وهي الصلاة التي رنّمتها الجوقات يوم جنازتها المهيبة عام 1997 في كالكوتا، وشارك بها رؤساء دول وشخصيات من مختلف أنحاء العالم.

وفي زيارتها عام 1982 إلى المملكة، زارت تريزيا بيت راهباتها في شارع وصفي التل (الجاردنز) المؤسس عام 1976 ويحمل اسم جمعية دار السلام، ولهن اليوم دار في الرصيفة وارميمين. وألقت محاضرة انسانية شاملة في جمعية الشؤون الدولية ، باشراف د. كامل أبو جابر. ومن الأردن ذهبت إلى فلسطين حيث زارت بيوتها في كل من القدس وبيت لحم ونابلس، وخصّت معهد كهنة المستقبل (السيمينير) في بيت جالا بزيارة مؤثرة، كتبت في سجله الرسمي ان المحبة هي أساس حياة رجل الدين. وذهبت كذلك لزيارة راهباتها في غزة في بيتهم المختص بالأطفال المعاقين والفقراء. وفي ذلك العام زارت لبنان، واجتازت خطوط الحرب الأهلية لإنقاذ عشرات الأطفال المحتجزين.

يتذكر المطران المتقاعد سليم الصايغ مرافقته لها في الطريق إلى فلسطين، فيقول لم يكن لديها إلاّ جواز سفر عادي، بدون تصريح أو فيزا. فعرفها أشخاص كثر على الجسرين، وكانت فرحتهم كبيرة عندما قابلوا الأم تريزيا وجهاً لوجه. وكذلك يقول بأنّه سألها في الطريق: «كيف تكونين متأكدة بأنّ الله تعالى يستجيب لصلواتك وينشئ لك بيوتاً للفقراء وأنت لا تملكين مالاً»؟ فأجابته: «أرفع أولاً صلاة شكر لله لأنه يستجيب، ومن ثم أطلب منه تعالى ما أريد».

وهكذا تُعلن تريزيا اليوم قديسة للرحمة وأماً للفقراء، بفم البابا فرنسيس المهتم بالفقراء والمحتاجين والمهجرين، لأنه يريد أن تكون رسالتها صالحة لعالم اليوم: العالم المثقل بالحروب والنزاعات المسلحة والقتل والتدمير، واستخدام الله تعالى والدين لتبرير العنف والإرهاب، ومن بين ضحاياه تبرز أربع شهيدات من مرسلات المحبة ، اللواتي قضين في اليمن ، في شهر آذار الماضي. ويريد البابا فرنسيس من اعلان الأم تريزيا قديسة ، أن تكون صلاتها ، أي صلاة القديس «فرنسيس» الذي استمد منه اسمه، على كل لسان: «يا رب اجعلني أداة لسلامك».

مبروك للبشرية القادرة على إنجاب تريزيا وأمثالها.

Abouna.org@gmail.com