كتاب

العرس الانتخابي

من فوائد الانتخابات النيابية، أنها تخلق حالة من التفاعل الاجتماعي، أطرافها المرشحون والفرق العاملة معهم من جهة ،وجمهور الناخبين من جهة أخرى، يتحقق ذلك بالزيارات الشخصية، والاتصالات الهاتفية أو الرسائل النصية «أنا مثلا وصلتني رسائل من أشخاص لا أعرفهم: يعلنون ترشحهم ويطلبون الدعم، والبعض يستخدم الإيميلات والصفحات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،وفي وقت لاحق سيتم إقامة الخيم الانتخابية ،وتنظيم المهرجانات الخطابية وتقديم المناسف والكنافة..!

زد على ذلك أن الشوارع والساحات العامة وأعمدة الكهرباء والهاتف والجدران، تزدحم باليافطات الانتخابية والصور و»البوسترات»، ولا يخلو المشهد من طرائف انتجتها روح الدعابة لدى البعض، مثل نكتة « مرشح الحشوة « التي أصبحت دارجة ،على ألسنة المواطنين للتندر على بعض المرشحين، وهي تعني بعض المرشحين غير الجديين ، الذين يعرفون مسبقا حتمية سقوطهم، لكنهم قبلوا أن يتم استخدامهم ، لتعبئة الفراغ في العديد من القوائم الانتخابية، وهناك تكهنات بأن بعض المرشحين من ذوي الملاءة المالية ، «استأجروا» الحشوات لاستكمال تشكيل قوائمهم، التي أن لا يقل عدد أعضائها ،عن ثلاثة مرشحين حسب القانون ! وبالفعل فقد حدث انضمام بعض المرشحين في ربع الساعة الأخير، وهو مشهد يشبه سائق السرفيس ،الذي ينادي على «آخر راكب الى العبدلي» !

وما يلف الانتباه في باكورة انطلاق الدعاية الانتخابية، أنه لم يتم حتى الآن حديث جدي ،عن برامج انتخابية متكاملة تخضع للنقاش حولها مع الناخبين، أو تعقد مناظرات انتخابية بين القوائم والمرشحين ، سواء كانت تلفزيونية أو مباشرة ، وما يسمعه الناخب من المرشحين ينصب حول «شيكات بدون رصيد» تتعلق بتقديم الخدمات وتوظيف الباحثين عن عمل، وهم يدركون جيدا أن طرق الواسطة للتوظيف أصبحت «ضيقة جدا جدا» ،وهي محصورة بإجراءات ديوان الخدمة المدنية ، باستثناء من يحظى ب»الاستثناء» ! وبطبيعة الحال فإن شح الحديث عن برامج انتخابية تحمل رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية ، سببه الأساس هو غياب فعالية الاحزاب السياسية ،وطغيان البعد العشائري والشخصي والمالي على معايير الترشح.

والطريف أيضا أن الكثير من الشعارات والملصات المعلقة في الشوارع ، تخص مرشحين فرديين رغم وجود شركاء لهم في القوائم ، وبعضها تحمل كلاما عاما مثل «التغيير نحو الأفضل « ! وشعارات مبهمة لا تعني شيئا اذا تم تحليلها، وخطر لي أن اجتهد متطوعا وأجري على الله عبر صفحتي في الفيسبوك، في محاولة لتفسير وتحليل وقراءة الشعارات الغامضة، التي يسبب بعضها تلوثا بصريا في الشوارع !

ويمكن التماس العذر لهؤلاء المرشحين، إذ أن الكثيرين منهم دوافعهم للترشح فردية ، لأغراض تحقيق طموح شخصي ووجاهة اجتماعية وسياسية ، أو طمعا في مكاسب من السلطة ، إذ لا يعقل أن شخصا ليس لديه سيرة ذاتية مقنعة في الحياة العامة، ولا يدرك المهام الحقيقية للنائب في الرقابة والتشريع ، أن يكون هدفه الحقيقي من الترشح للانتخابات النيابية ، تقديم الخدمة العامة بمعناها الشمولي ! وذلك لا ينفي حقيقة أن العملية الانتخابية ،يمكن أن تفرز قيادات مجتمعية وسياسية جديدة قادرة على تحمل المسؤولية.

ورغم العديد من المآخذ السلبية على الحراك الانتخابي وقانون الانتخاب ، لكن يمكن القول أننا نعيش «عرسا انتخابيا» ، يسهم أيضا في تنشيط بعض القطاعات الاقتصادية، وهو يعقب العديد من مهرجانات الصيف الفنية والثقافية ،مثل مهرجان جرش ومهرجان الفحيص و»صيف عمان» ، وبعد «العرس الانتخابي « سينشغل الناس ،بفعاليات البطولة الدولية لكرة القدم للسيدات التي ستعقد في الأردن.. والطموح أن يتحول «العرس الانتخابي» ، الى «عرس ديمقراطي» حقيقي يفرز حكومات برلمانية عندما تنمو الحياة الحزبية. وكل عام وأنتم بخير.

Theban100@gmil.com