عصام قضماني
في الصورة 3 قشاطات و5 مكانس وعشرات الأيدي والضحية مياه تدفقت بغزارة فوق مترين من البلاط من خرطوم موصول بحنفية .
بهذه اللقطة دشن أمين عمان وظيفته الجديدة عمدة للعاصمة , إيذانا ببدء عصر جديد من النظافة .
اللقطة مفتعلة كما بدا , من تجمع العمال والموظفين والتأهب للكاميرا وقوفا عند زاوية محددة تشي بتنظيم الفعل وليس هناك ما يدل على العشوائية أو العفوية فيه , فالأعين لم تكن ترقب المياه ومساراتها بل تعلقت بعدسة الكاميرا ووهج الفلاش.
في اليوم التالي كان أمين عمان يجلس في مقدمة حافلة لنقل الركاب وسط العاصمة وقد أصر على إرتداء ذات الثياب التي يرتديها عمال الوطن بلونها البرتقالي قبل أن تستبدل باللون « الفسوري الفستقي « وكانت هذه اللقطة أيضا إيذانا ببدء ثورة في عالم نقل الركاب في العاصمة عمان .
ترجلت وزيرة التنمية الإجتماعية من سيارتها ال « لا ند كروزر « وقد أصطفت بالصدفة الى جوار طفلة كانت تنقب في حاوية ودخلت معها في حوار حول كيفية إنتشالها من الفقر والعوز . وبسرعة البرق إنتشر الفيديو الذي إلتقطه أحد مرافقي الوزيرة على مواقع التواصل الإجتماعي , لكن اللافت في الفيديو هو أن الوزيرة راحت في معظم الوقت تخاطب كاميرا الموبايل ولم تظهر الطفلة في اللقطة سوى لبضعة ثوان .
حسنا سندع الفيديو يتحدث عن الواقعة , فكما قلنا أن الصورة أبلغ تعبير حتى من الكلام , في اللقطة الوزيرة بدت مندهشة من حال الطفلة , وكأنها المرة الأولى التي تشاهد فيها مثل هذا المشهد وقد هزت رأسها بإندهاش لافت وأسى, مع أن مثل هذه الطفلة مئات ينشروهن مجموعات منظمة على الإشارات الضوئية كل طالع شمس في كل شوارع ومفترقات طرق العاصمة يتسولن أو يبعن علكة النعنع .
بصراحة , أستطيع أن أنتج فيديو كليب لعدد من المسؤولين من الوزراء والنواب فقط ما ينبغي عمله هو تجميع مئات الصور المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي وفرز ما يصلح منها لإنتاج شريط متحرك , وللصدفة أن كل هذه الصورة ألتقطت لهم دون علمهم فالعفوية كانت ظاهرة بدليل أن أعينهم ظلت معلقة بعدسة الكاميرا حتى النهاية والأمر برمته لم يخل من إبتسامة خجل من التصوير فهم لا يريدون أن تبدو هذه اللقطات مصطنعة فقط حتى لا تنقلب ضدهم , فالهدف هو الخدمة العامة وليس البرواز .
لماذا إذا يصطحب الوزراء الكاميرا معهم أينما ذهبوا حتى في الزيارات السرية وإن لم تتوفر فكاميرا الموبايل أو التاب أو الأيباد تكفي وزيادة , ألا تكتمل أهداف الزيارة والغرض منها تفقد الرعية والخدمات الا بصورة ؟.
عندما تغيب الكاميرا , عدسة الهاتف النقال دائما حاضرة حتى لو كانت اللقطة « سيلفي « وعندما تغيب مساحات النشر , فمواقع التواصل « فيسبوك وتويتر وأنستغرام وغيرها حاضرة أيضا .
في البال صور كثيرة لم تغادر الذاكرة , فهي عالقة , بعضها أثار الضحك وبعضها مستفزة حد الغضب وآخرة باعثة على السخرية ولا زالت عالقة لا تغادر ذاكرتنا , فكلما رأينا صاحبها أو ذكر حضرت بقوة وإستحضرت معها المشهد فإن كان كوميديا ضحكنا وإن كان دراميا ضربنا كفا بكف .
رأيت مسؤولين أنتجوا لأنفسهم فيديو كليب ونشروه على الفيسبوك , أقسم أنهم فعلوا ذلك , فلقطة يخاطبون فيها الناس وأخرى يرفعون أيديهم معترضين ولا يغفلوا في الثالثة أن يكوروا قبضاتهم كدليل على الشدة في الموقف حتى أن بعضهم توقف لينتظر توضيب الكاميرا قبل أن يندفع بأغلظ الأيمان والوعود لإنصاف عاملين في مؤسسته , وآخرون راحوا يحتضنون عمالا ولم ينسوا أن الكاميرا موجودة بالطبع فهي التي تعبر بالنيابة عن الموقف الإنساني .
عشق المسؤولين للكاميرا لا يضاهيه عشق , فهي رفيقهم الدائم في حلهم وترحالهم , لا يبدأون نشاطهم من دونها ولا يعقدون مؤتمراتهم من غيرها ولا يتحركون ولا يقصون شريطا ما لم تكن موجودة ولا يتفقدون مواطنا ولا مؤسسة ولا شارعا ما لم تكن على يمينهم .
هذا مفهوم في سياق إيصال الرسالة ومهضوم إن كان لإطلاع الرأي العام على أعمالهم وهو دليل قاطع لا يرقى للشك على أنهم لا يجلسون في مكاتبهم .
الكاميرا ذات حساسية مفرطة فهي تكشف المخفي وتفضح الأسرار وتسبر غور النفس والنوايا أكثر من الخبراء ففيها لقطة للمشهد كله , الملامح , حركة الجسد وتعابير الوجه حتى أنها تستطيع التعرف على الإبتسامة الزائفة ويمكنها تمييز الحركة التلقائية , وأكثر من ذلك قد تكون وبالا على صاحبها إن لم تحبه وقد تكون سببا في إندلاع أكثر ردود الفعل عنفا وسخرية إن لم يحسن التمثيل.