أبواب

أحلام وهبي ..رحلة نغم بين بغداد والقاهرة



من طبيعة الانسان ،نسيان اغلب ما يمر على حياته من مثيرات وحواس ، ربما كانت تدغدغ مشاعره وابداعاته او شكلت شخصيتة العاطفية او الانسانية والحضارية .

..و الغناء العربى الحديث و القديم ، تكون من استعراض وأداء ألحان مختلفة ومقامات موسيقية تنوعت عبر شخصيات الغناء العربي ورموزه في مجالات الغناء والتلحين والتوزيع والموشحات ومختلف الاشكال الموسيقية الشرقية والعربية الاسلامية.

ان ان البحث في المنسي من تراث الاغنية العربي ، هو نبش في القوالب الغنائية القديمة، التي باتت مع جهود مبدعيها منسية الى حد ما .

الباحث والكاتب «زياد عساف» ظل يقلب ما نسي من الرموز والاغاني والحكايات وخص « ابواب - الراي « بثمرات جهودة التي تنشرها منجمة كل ثلاثاء في هذا المكان من الملحق حيث سيتم طباعته على اجزاء في القاهرة. لقد ارتقى الغناء العربي مع ظهور الحركة القومية العربية فى مواجهة الثقافة التركية السائدة على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولى ومحمد عثمان ، ، عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وطروب وفيروز وام كلثوم كما لحن وابدع جماليات حياتنا وفنوننا امثال: سلامة حجازى وابراهيم القبانى وداود حسنى وأبو العلا محمد وسيد الصفتى محمدالقصبجى وسيد درويش وزكريا أحمد ومحمود صبح ومحمد عبد الوهاب،ورياض البندك وجميل العاص ومحمد القبنجي وغيرهم كثر.

مشاهدة الافلام الغنائية في صالات السينما ببغداد كانت متعتها الحقيقية تتابع بشغف افلام صباح ونعيمة عاكف وهي لازالت طفلة في سنوات عمرها الأولى ،ومع نهاية كل عرض تعود لغرفتها وتبدأ تقليدهن بالغناء والرقص ،مع الايام كبرت الطفلة وكبرت احلامها لتصبح واحدة من رواد الأغنية العراقية وتقيم حفلاتها في معظم البلاد العربية باسمها الفني « احلام وهبي « الذي عُرِفَتْ به ، اعتزلت الغناء منذ اكثر من عقدين من الزمان ومن النادر ان تتطوع احدى الصحف بالكتابة عنها او حلقة تلفزيونية تتطرق لمسيرتها كواحدة من سفراء الاغنية العراقية ووصل الأمر لدرجة عدم معرفة و تحديد مكان اقامتها الحالي وسبق ان تعرضت لظروف صحية لمدة عام لم يبادر احد ولو بالسؤال عنها لتنظم الى قافلة المنسيين من الفنانين العرب ، نحاول هنا من خلال هذا البحث و عرفاناً بالجميل وتقديراً متواضعاً لها ولكل من غابوا عن الذاكرة من المبدعين ان نُعَرّف الأجيال بقيمة منجزاتهم على صعيد الغناء و الموسيقى .

«عشاق العيون ..»

في بيئة فنية ولدت احلام وهبي في البصرة عام 1938، فوالدها هوالأديب والشاعر حافظ جميل واشرفت على تربيتها المطربة العراقية الشهيرة منيرة الهوزوز التي اصطحبتها وهي في التاسعة من عمرها الى بغداد لتقيم معها هناك ومن خلال تواجدها بالوسط الفني بدأت تردد اغاني مربيتها منيرة لتحظى بشهادة المحيطين حولها بأنها صاحبة صوت جميل ، شجعها ذلك بالتقدم لاختبار الاذاعة في بداية الخمسينات من القرن العشرين وهي في سن الرابعة عشرة وقدمت يومها واحدة من الأغنيات العراقية الفلوكلورية ، الا انها لم توفق بالإختبار وطلبت منها اللجنة حينها بأن تعود بعد ان تبلغ سن الثامنة عشرة ويكون صوتها قد نضج و اكتمل .

بدأ يتعرف عليها الناس عام1958 عندما قدمت اغنية «عشاق العيون «وحققت نجاحاً ملفتاً تلك الفترة ، الى ان جاءتها الفرصة الكبيرة عندما شاركت بحفل غنائي في الكويت مع اشهر المطربين والمطربات امثال نجاة الصغيرة ومحمد رشدي وفايزة احمد و فريد الاطرش الذي كان متواجداً اّنذاك ، وتقدم منها بعد ان انهت الوصلة التي شاركت بها مبدياً اعجابه بصوتها واقترح عليها ان تصحبه بالسفر للقاهرة لتأخذ فرصتها هناك وهذا ما قد كان ، لتصبح واحدة من وائل المطربات العراقيات اللاتي اثبتن حضورهن في ارض الكنانة حيت كان قد سبقها الى هناك في الثلاثينات المطربة العراقية عفيفة اسكندر التي انضمت الى فرقة بديعة مصابني وببا عزالدين و شاركت بفيلمين سينمائيين هما «القاهرة -بغداد» 1947 و «ليلى في العراق «1949 ، الا ان حضور احلام في مصر كان له تأثيراً و حضوراً مختلفاً بالرغم من انه لم تخلو بداياتها في القاهرة من بعض العقبات خاصة عندما شاركت بحفل اضواء المدينة مع عبد الحليم حافظ و فايزة احمد ومحمد رشدي وغنت باللهجة العراقية وصاح الجمهور يومها «عايزين غنا عربي يا ست !»

الحان مصرية

،شكَّل هذا الموقف صدمة بالنسبة لها وقررت على أثره ان تغني باللهجة المصرية ، وغنت من الحان محمد الموجي «زمان يا جار «ونجحت بهذه الاغنية لدرجة ان بدأ الناس ينادونها بإسم هذه الأغنية كلما التقوا بها في الشارع ، وان كان الموجي وكما صرحت هو اكثر الملحنين الذين فهموا صوتها ووظفوه بالشكل الصحيح الا انها تعاونت مع ملحنين مصريين اّخرين ومنم بليغ حمدي ولحن لها اغنية «بين النجوم «وهي اغنية من لون الطرب وحسب رأيها لاتصلح لصوتها ، ولحن لها منير مراد «الفلاحة «وسيد مكاوي «ايه شكل الحب ياما «ولم يتوقف نشاطها الغنائي ضمن حدود القاهرة وشاركت بحفلات غنائية في محافظات مصرية اخرى ويؤكد ذلك تسجيلات لحفلات لها في دمياط وبور سعيد و الزقازيق وموجودة ضمن ارشيفها الغنائي في الإذاعة المصرية و المواقع الألكترونية .

بالرغم من انها اسعدت جمهورها بفنها الا انها ظلت تعاني من الأسى والمرارة مما يتناقله الناس ووسائل الإعلام عن التشكيك بحقيقة نسبها لوالدها الشاعر حافظ جميل الذي تؤكدة شهادة ميلادها حسبما ذكرت ولماذا لم تظهر بإسم احلام جميل وليس احلام وهبي وعن امها الحقيقية التي ظلت مجهولة بالنسبة لها لسنوات عديدة وهي مواضيع اعتادت ان تتطرق لها الصحافة اّنذاك تمس المسائل الشخصية بدلاً من تقييم الفنان بمنجزاته وخصوصيته كأنسان مبدع .

« الله من عيونك..»

ابدعت احلام وهبي في تقديم الاغنية الخفيفة البغدادية مع تعبير غنائي راقص تميزت به بالإضافة لتقديمها للأغنية العاطفية والحزينة ، من اغانيها الخفيفة التي اشتهرت بها «الله من عيونك» التي ظل يطلبها الجمهور منها دائماً وتميزت بها بأداءها التعبيري الراقص المصاحب للأغنية و أغاني اخرى من هذا اللون منها «هلهلي بالله يا سمره ««ضحكات شفافك وردية «،» عندي هدية للولف وردة «،»ايه لولا «،» من ادنى حكاية «،» ملقاك شمس و قمر «،» خاله دشوفي هذا الولد .. ماكو بحلاته بكل البلد «،» تسلملي حبيبي عيونك الزرقا «،» فكر يا حبيبي «،» ولفي شمحلاه «،» يا هلا باحباب قلبي «،» شمس العمر «،» تلاقينا «،» قلبي يهواك «،» وياك اروحن»،» حلوين السمر والبيض احلى «،»سنتين وسنة وكم شهر «،» هالليلة فرحتنا وللصبح سهرتنا «، «قومي اركضي وارفعي البوشية «،» رش النجوم «و «بياع المناديل «.

من اغانيها العاطفية التي يغلب عليها طابع الشجن الذي اتسمت به الأغاني العراقية قدمت اغاني عديدة مثل»بريئة «، «لو الك عندي عتاب «،»الناس يقولون الليالي «، «راح الكان الي سلوى «، «لا انت ترحمني ولا عزالي «،» سبع ايام من عمري «،» من يدري «، «عداد النجم «،» الوم العين «،» الك الله يا قلبي «،» ما اعتب عليك «،» اهلي ما يرضون «،» هاي من الله قسمتي «،» والله وحرت وياك يا عيني «،»يلوموني احباب قلبي «،» خلي العتاب «،» هلي يا ظلام «،» يا ناس ولفي «،» كدر الخاطر «،» وردة ليش ذبلانة «،» لا يا قلبي «،» يتيمة «،» خليه يروح «،» من الأغاني التي أعادتها بصوتها»قلبك صخر جلمود «و «نوبه مخمرة «لسليمة مراد «واغنية «شقول على حظي «لزكية جورج «و «يا عيني ع الهوزوز «لمنيرة الهوزوز .

الأغنية الوطنية العراقية لها هويتها الخاصة و الجميلة بنفس الوقت واحلام قدمت من خلال الحفلات والاذاعة والتلفزيون العراقي مجموعة من الاغاني الوطنية منها «شهر الحرية «و دويتو «احباب الوطن دجلة و الفرات «مع المطرب احمد سليمان ، وقدمت اغاني دعائية لترويج السياحة في العراق ، خلال تواجدها في مصر وفي دعوة للوحدة العربية قدمت اغنية جميلة عام 1965 بلحن ولهجة مصرية تقول كلماتها «مع المراكبية لف البلاد .. على بحر متحني و موجة بتغني .. دي الفرحة بترفرف دي الفرحة بتلوح .. وقلبي مطَّوح .. وجايه من العراق .. ومحملة اشواق قومية عربية .. مع المراكبية «.

كانت واحدة من المطربات العراقيات اللاتي قدمن اغاني الاسرة واستذكرت احلام الام في أكثر من أغنية منها «يمه من يمر اسمك في بالي .. اذكر تعبك وسهر الليالي «و «يا وحيِّد يا يمه «.

ناظم نعيم كان من اكثر الملحنين العراقيين الذين تعاونت معهم بالإضافة لياسين الراوي و عباس جميل و سالم حسين خضر و خليل مختار و احمد الخليل و خزعل مهدي ورضا علي و محمد عبد المحسن ومحمد نوشي ومن الاردن جميل العاص ومن شعراء الاغاني الذين تغنت بكلماتهم ناصر الدين التميمي وسيف الدين ولائي وكاظم عمار و ابراهيم وافي ومن مصر عبد الرحمن الابنودي ومحمد حلاوة ، كانت موفقة بقرارها عندما اعادت تسجيل بعض اغانيها القديمة بالألوان في التلفزيون العراقي خاصة ان صوتها ظل محافظاً على رونقه وجماله وحافظت على اصالة اللحن في هذه الأعمال وهذا ما يتوافق مع رأيها الذي صرحت به فيما يتعلق بوجهة نظرها عن الأغنية العراقية بين الأمس واليوم وترى بأن الألحان القديمة لا تتكرروكانت الحانا حقيقية مبنية على اسس علمية لها علاقة بالتراث والفلوكلور العراقي الأصيل .

«بصرة الساعة 11 ..»

لم تكن اللهجة وحدها عائقاً في انتشار الأغنية العراقية وانما عدم توظيف السينما الغنائية والاستعراضية بالشكل الصحيح الذي يتناسب مع حضارة وادي الرافدين العريقة مما أخروصول الاغنية العراقية للبلاد العربية لسنوات عديدة ومما يؤخذ على السينما العراقية بأنها كانت مقلدة للسينما المصرية في الكثير من الأعمال وهذا ما ينعكس على السينما السورية واللبنانية بفترة من الفترات ، تجربة احلام وهبي في السينما كانت محدودة وشاركت كممثلة ومغنية بفيلم «ليالي العذاب «1961 وهو يتحدث عن افة المخدرات واتسم بالطابع البوليسي من اخراج جواد الشيخلي وتمثيل سليم الوكيل و قاسم عزام و الطفلة ساجدة الشيخلي «وغنت احلام وهبي في هذا العمل «النور من عيني اختفى «و «حبيبة واغلى من روحي وحياتي يا يمه «، وشاركت ايضاً بفيلم «بصرة الساعة 11» 1963 اخراج وليم سايمون وبطولة حسين الزبيدي وقدمت بالفيلم اغنية «انا شقاوة «وبدا واضحاً في هذه الأغنية تقليدها للفنانة نعيمة عاكف بالأداء والرقص ، شاركت احلام ايضاً بالفيلم اللبناني «بأمر الحب «1965 اخراج محمد سلمان وبطولة صباح وعبد السلام النابلسي .

« صورة حبيبي ..»

من خلال الصورة تستعيد احلام وهبي ذكرياتها في واحدة من اجمل اغنياتها وهي تشدو «هلهل و غنيلي بيوم الفرح ..صورة حبيبي لاحت لي بالقدح ..تذكرت ليلة الافراح ..الشوق هزني والقلب صاح «، وعن الذكريات التي تثيرها الصور وبدأناها مع احلام ،محمد عبد المطلب ايضاً يستعيد صورة عزيزة على قلبه « صورتنا واحنا سوى.. تشهد يانور العين على جمال الهوى بين قلبين ..صورتنا و احنا سوى « ،محمد رشدي «وبعتنا معاهم تذكار ..صورة وحبة اشعار ..يقولولك والله وحشتونا ..وسألنا ميتى حتجونا «، فيروز «بتجيبلي منه تذكار ..شي ورقة وشي صورة ..ع الورقة يكتب اشعار واسمه على الصورة «، نجاح سلام «يا صورة المحبوب ..يا معلقة بالدار..ع دايرك مكتوب ..انتي الي تذكار « .

عن البوم الصور غنى هاني شاكر « الحب مش البوم صور .. انا عمري في لحظة يمر..والذكريات البوم صور .. في الصورة دي ضحك القمر ..لما تقابلنا في السفر» اصالة « حياتي و حياتك مواقف كتيرة وحاجات ..لم بنفتكرها بنفرح ونضحك ساعات ..في البوم صورنا ..معاني و دنيا و حياة « .

الصورة في الأغنية الوطنية عبر عنها حليم و بأشعار صلاح جاهين « كلنا هنا في الصورة زمايل .. نوفي اللي ميثاقنا عليه قايل..من اصغر طفلة في جدايل ..على زرعة و درسة بتتمايل» ،محرم فؤاد « صورة بلدي وحبايبي ..مرسومة جوه قلبي ..مواويل تحت شجرة توت بظلاية..سواقي تدور تخلي الشمس ورداية « .

«صورة وخبر ..»

في الزمن الجميل كانت الصورة الشخصية اجمل هدية يترقبها المحبون ، وعن هذه الأمنية غنى نجيب السراج « الأمورة طلبت صورة ..ما راح رِدا مقهورة ..راح ابعتلا صورة و حب ..قلبي جوات الصورة» وعندما طال انتظار الصورة غنى محمد وردي « توعدنا وتبخل بالصورة ..يا غنوتنا .. ويا بهجتنا .. ويا مرسى عيونا المبهورة «، اما المطربة صباح تشترط الإهداء مع إمضاء « ع الصورة امضيلي ع الصورة ..زينها بوردة صغيورة .. وديلي الصورة يا حبيبي ..ع جوانح نسمة وعصفورة» ، وعند وصول الصورة مع رسالة عبرت احلام وهبي عن فرحتها « من ولفي صورة و خبر جاني..ذكرني زين ما نساني..خلف الله عليه الف نوبه ..خلف الله عليه جاني مكتوبه» ، مصير بائس وحزين ينتظر الصورة عند لحظة الفراق تصوره فيروز « امبارح تلاقينا قعدنا ع حجر ..برد و حوالينا عريان الشجر..خزأنا الصور و محينا القمر ..رديتلو مكاتيبه .. وردلي مكاتيبي ! «.

حبك الجبار

ارتباط الصورة بالرسم بالدلالة و المعنى كان حاضراًفي أغانينا عبر عنها عبد الحليم «

شبابي الغالي ضيعته ..اناجي في الهوى اسمك .. واملي لما صورته ..بأجمل صورة كان رسمك «، فريد الاطرش «نورا نورا ويا نورا ..يا وردة نادية في بنورة ..اسمك على رسمك صورة ..م القمراية يا أمورة «، من اغنية «حبك الجبار «لنجاة الصغيرة «صورة حلوة و صورة مرة ..مرسومينلي في كل حتة ..عايزة انسى ولازم انسى ..ايوة حانسى بس امتى «، محرم فؤاد «الحلوة حلوة وسنيورة زي الصورة مرسومة تمام ..والشفة وردة في عنقودها اما خدودها تفاح الشام «وعندما تحلو صور ورسم الاّخرين في عيوننا يدفعنا الفضول بالسؤال عن إسم الشخص و على طريقة الشحرورة صباح :

« شو اسمك قرب وشوشني

وخلي كلامك ينعشني

وع الكلمة الحلوة عيِّشني

يا مصوَّرْ بعيوني رسمك

ان كنه قلبك بعده فاضي

مشِّي معي لعند القاضي

تا أكتبلك قلبي بإسمك «