محمد محمود البشتاوي - «البشر ليسوا سوى فقاعات تنفجر الواحدة تلو الأخرى فوق مستنقع يسمونه الوجود».
من هذه العبارة ينطلق «فرانس كافكا» الي الحياة، ناظرا الى البشر على اعتبار أنهم «فقاعات» تنفجر ليس إلا، متجاوزا بذلك البشر كمفهوم حيوي يتفاعل ويعيش فوق الكرة الارضية.
لقد تطبع كافكا على سوداوية الرؤيا وكوابيس الأحلام، فمن ذا يحول البشر الى صرصار، ففي قصته «المسخ» يرسم صورة لعقم الحياة تتمثل بمصير الموظف «غريغور سامسا» البائس واليائس الذي يلقى مصيره السوداوي حينما يستيقظ ليجد نفسه حشرة «خنفساء ضخمة»، تعارك هذا الكابوس وتحاول مرارا التحرر من قيوده، لكنه عبثا يحاول فقد كان واقعا، لذا نجده يصر في المونولوج: «لم يكن حلما ..»، حتما لم يكن حلما!.
تشابك المداخل وإشكالية التعريف
كافكا تشيكي المولد، ألماني اللغة، يهودي الديانة، القاص والروائي الغامض، المبهم والشائك في علاقاته مع البشر والحياة، يصنف أديبا اشكاليا تناحرت الأقلام في ماهيته ونواياه، بعضهم أحكم طعنه ووصفه بالخادم للسياسة الصهيونية، كما يرى مثلا الأديب الفلسطيني حسن حميد في كتابه «البقع الأرجوانية في الرواية الغربية»: إذ يقول «والحق بأن المتابع لسيرورة النقد والتأثير لأدب (كافكا) في الخمسينيات والستينيات يلحظ بوضوح شديد أن أدبه خدم اليهود والصهاينة أكثر من الخدمات التي قدمتها الوكالات اليهودية، ذلك لأن قراء «كافكا» كانوا نخبويين، وأن تأويلاتهم لرؤى القصص والروايات الكافكاوية لم تنصب الا في اتجاه واحد، وهو أن الرجل لم يكتب حياته وظروفه في أسرته قدر ما كان يكتب حياتهم هم: «ويضيف حميد بأن روايات كافكا اصبحت نبوءات لبني صهيون، تتمثل في أهمية كتابات كافكا لليهود، حيث يقول اليهود: «لو أننا قرأنا (كافكا) على نحو مبكر وفهمنا مقاصده لكنا بكرنا في عودتنا الى فلسطين كما بكرنا في إقامة (دولتنا)».
وفي الطرف الآخر ينظر عدد من الكتاب الى كافكا على اعتبار أنه أديب متميز عبر عن همومه وآلامه كأي أديب اخر، لذا تطرح الكاتبة بديعة أمين تساؤلات عديدة من خلال كتابها «هل ينبغي إحراق كافكا؟» وتشحذ بديعة كل أدواتها وقدراتها العلمية من أجل الدفاع عن كافكا ووصفه بالأديب الانساني، وترد التهم الموجهة إليه من النقاد والأدباء.
وأمام هذا التضاد الوصفي، والتمايز والتغاير في التعابير، نجد من النقاد والأدباء من نظر إليه نظرة مجردة من انتمائه وولائه الديني والسياسي، وبعضهم جرد كافكا من سيرته الحياتية، باعتبار أن «الفن للفن»، حيث هنالك إمكانية لدراسة النص الأدبي بمعزل عن حياة الكاتب، وعليه تم النظر الى قصة «المسخ» مثلا على اعتبار انها تندرج تحت باب «أدب المسوخ والتحولات» والكاتب هنا أراد أن يعكس فكرة معينة تتمثل في العزلة والغربة، وأثناء هذا التجريد نجد إشارة بسيطة الى ما عاناه كافكا من عزلة وانطواء في حياته، داخل وخارج الأسرة، فهو علماني في نظر الأصولية اليهودية، وألماني في نظر التشيك، وتشيكي في نظر الألمان، وهكذا فإن «كافكا» يقع تحت طائلة العزل القسري الذي لا يجد منه فرارا ومجالا للهروب.
لذا فلا غرابة أن نجد كتاباته سوداء وغامضة ومبهمة، الا أن الضرورة تقول بوجوب تشخيص الأديب من خلال ظروفه الحياتية، لأن التشخيص ان كان بمعزل عن حياة الأديب الاجتماعية والسياسية والثقافية، فإنه سيغدو كمن يطحن الماء!.
وعلاوة على ما سبق، فإن هنالك ضرورة ماسة لمراجعة وتقييم كل ما جاءنا من الغرب، كما يرى حسن حميد، حيث يدعو الى «ان ننتقل من دور النقل الأعمى الى دور إعمال العقل تنقيبا وحفرا وتأويلا ونقشا جديدا في الذاكرة العربية، أي ان نقول عن الأعمال الأدبية الغربية إنها مهمة لأننا اقتنعنا بأهميتها فعلا بعد معرفتنا بها، لا أن نكرر أقوال النقاد الغربيين او نكتفي بها، وأن نقول عنها إنها غير مهمة بتمام الجرأة والوضوح إن وجدناها كذلك» «2».
نهايات مفزعة ومصير سوداوي
«إنني أرحب بالخلود، ولكنني لو ظفرت به لكنت حزينا»!.
«ما الذي يغري كافكا بالنهايات المفزعة، حيث يموت البطل دائما مع اختلاف الأساليب، فبطل القلعة يقتل، وبطل المحاكمة يعدم، وبطل المسخ يموت وكأنه حشرة بشعة؟!
هكذا يتساءل أحد الباحثين والأدباء حول السر الذي يدفع كافكا الى الكتابة السوداوية، حيث ينقلب المفهوم الروائي للبطل، ليجعل من أبطاله ضحايا يساقون دوما الى الموت، والنهايات المفزعة هي المصير الوحيد الذي تناله شخصياته.
وأمام هذا الجحيم الأدبي، ينطلق الأديب الفرنسي جان جنيه ليقول: يا له من حزن!
لا شيء يمكن فعله مع كافكا هذا. فكلما اختبرته، واقتربت منه أراني أبتعد عنه أكثر!.
وأمام سوداوية المصير لأبطال ورموز كافكا، ترى مجلة فرنسية أن هناك ضرورة ماسة الى إحراق كتب وأعمال كافكا، لأنها أداة هدم وتحطيم للنفس «3».
وربما أدرك كافكا نفسه هذه الحقيقة المتمثلة في ضرورة تدمير أعماله، لذا أوصى بحرق كتبه وإنهاء تراثه الأدبي، الا أن صديقه الحميم «ماكس برود» رفض تنفيذ الوصية.
السلطة الأبوية ومعاناة كافكا
«أنت سبب معاناتي» يقول كافكا في خطابه لوالده.
«أنت تتملص من كل ذنب ومسؤولية» يقول في خطاب آخر.
ولد كافكا لأب يهودي يعمل في حقل التجارة، وكان أبوه «هرمان» تاجر التحف الثري، يتجه ضد السياسة الصهيونية القائمة على تحويل المجتمع الاوروبي اليهودي الى مجتمع منغلق منعزل عن باقي العرقيات والديانات، وتحويل «الغيتو» الى نقطة انطلاق نحو «ارض الميعاد». وفي مقابل رفض «هرمان» لسياسة الغيتو، كان كافكا يرفض الاندماج من اجل الانطلاق الى «ارض الميعاد» وتحقيق الحلم التوراتي.
وعليه، كان الاب يطالب بالانفتاح من اجل الاندماج مع العرقيات والاديان الاخرى، وامام حب الاندماج كان كافكا يصر على الانفتاح من اجل العودة الى «ارض الميعاد» وكان هذا التصادم بين الاب والابن شرخا تعمق فيما بعد.
لذا نجد كافكا يحمل والده معاناته كما تكشف رسائله: «انت سبب معاناتي!»، حيث يرى كافكا ان والده مقصر بحقه اذ لم يعلمه الديانة اليهودية كما يجب، وحول هذا الاب يقول حسن حميد «الاب الذي سيغدو في (رسالة الى الوالد - احد نصوصه) أباً من لحم ودم، وتاريخاً لمرحلة، ودينا وعرفا، وخائنا للدين اليهودي لانه لم يعلم (كافكا) الابن الا اساسيات هذا الدين، ولانه لم يوافقه في رؤاه فقد كان الاب من القائلين بالاندماج اليهودي داخل المجتمعات الاوروبية، بينما كان كافكا من القائلين بضرورة «الزحف الى مكان صغير نقي على الارض تضيئه الشمس احيانا ويمنح بعض الدفء) وهذا المكان الذي يريده (كافكا) لم يكن الغيتو باي حال من الاحوال.
ومن هنا نجد كافكا - الموصوف بالعلمانية - اكثر تشددا ليهوديته وتراثه التوراتي من والده التاجر الذي يرى ضرورة الانفتاح من اجل الاندماج - والاندماج يعني بلا ادنى شك لديه مزيدا من التوسع في دائرة العلاقات مما يعني زيادة الثراء المالي لدى «هرمان» - فليس ادل واصدق من تعبير كافكا عن دواخله في تحقيق نبوءات التوراة عندما قال:«حتى لو لم اهاجر الى فلسطين، فانني وددت ان اموت واصبعي موضوعة على الخريطة».
كافكا وتوظيف العلاقات الانسانية
كمادة كتابية
«سأكون زوجا غير صالح، يخونك كل ليلة مع كتاباته» يكتب كافكا في رسالة الى «فيليس باور» طارحا موضوع الزواج مضيفا:«ان جسمي كله ينفر من الزواج!».
لا يستطيع انسان ان يعيش دون وجود علاقات انسانية مع الاخرين، حيث خلق البشر من دم ولحم روحا وجسدا، وكانوا صيرورة في تعاقب الازمان، لذا استمر النسل البشري وتطور من خلال توسع دائرة العلاقات وامام هذه السنة الكونية، كان كافكا يجد في علاقاته مع غريماته مادة دسمة تمنحه القدرة على الاستمرارية في العطاء الادبي، من هنا فشل كافكا في تكوين علاقات صادقة سليمة لبناء الصورة النموذجية بين الجنسين، حيث يقول الروائي «دانييل ديماركيه» في كتابه «كافكا والفتيات» هذا الكاتب المتفرد اخرج كتبه عبر تدمير النساء اللواتي كن مصدر الهامه، وامام هذه السادية والعدوانية والتلذذ في تعذيب الاخرين، فان «دانيال» يطرح عدة تساؤلات حول السبب الذي يدفع كافكا الى تحويل علاقاته الانسانية الى مادة كتابية بحتة، مستخدما اسلوب المراوغة والتضليل والايهام في احاديثه مع الفتيات واللواتي تعدين العشر - حيث يشبه هذه الاساليب بلعبة (القط والفأر) وهنا نقتطف بعض التساؤلات التي يطرحها «دانيال» ومنها: ما هي الاسباب الدينية والعميقة التي جعلت «كافكا» يركز في علاقاته النسائية على تبادل الرسائل وتجنب خوض تجربة الزواج فهل كانت صحته العليلة هي السبب؟ ام كانت له ميول نحو الجنس المثلي، اي هل كان شاذا جنسيا؟
عالم كافكا المبهم
(قصة المسخ نموذجا)
يقول ماكس برود: «ان قصص كافكا هي وثائق يهودية من عصرنا»..
كما تعلم لكل اديب مدخل او اكثر للولوج الى عالمه الخاص، وهنالك ادباء يجب على المتبع لاعمالهم ان يمتلك مفتاحا ذهبيا لتحليل نصوصهم، وتفكيك الرموز فيها، حتى يتمكن من فهم ما هو غامض او مبهم، فما العمل عندما نحاول تفكيك نصوص احد رواد الغموض واصحاب الطقوس الضبابية؟!
فكافكا الغامض المبهم يسيطر عليه الهاجس الوجودي ليس كفرد، وانما كفرد من مجموع، اي انه يعبر عن محيط واسع يعاني من معضلة الوجود، ويبحث عن آليات لاثبات الذات واعتراف الاخر بها، لذا نجد نصوصه الادبية في الرواية والقصة محكومة بالتوتر والقلق، وعليه تم اسقاط الداخل المتوتر والغامض على الورق ليعكس لنا مدى تشابك المداخل والتركيب المعقد لدى الشخصية اليهودية، وهذا ما اشار اليه «ماكس برود» من ان رواية المحاكمة (التي بطلها السيد ك) اكثر الاعمال انطواء على الشخصية اليهودية.
من هنا لا يمكن بداية فهم النص «الكافكوي» بمعزل عن فهم كافكا كيهودي، وفهم محيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي حيث يمثل الفهم الصحيح مدخلا لقراءة نص كافكا بسهولة.
في السابق تحدثنا عن علاقة كافكا بوالده، وانعكاسها على حياته ومسارها ولو اردنا ان نقرأ قصة «المسخ» لوجدنا الممسوخ «غريغور سامسا» على علاقة سيئة مع والده، كما نجد ان قصة «المسخ» - اللا عقلانية - تنحى نحو الصهيونية لحل الاشكال اليهودي في الوجود، حيث المسخ «غريغور» حبيس لاربعة جدران لا يفارقها الا بعد ان يموت، وهنا يطرح كافكا مسألة «الغيتو» اليهودي بكل ما يعنيه من عزل واغتراب للمجتمع اليهودي، وان الضرورة تلح عليهم كسر طوق العزلة والخروج الى اكثر البقع امنا، ومن دون كسر حاجز العزل يكون المصير الحتمي هو الموت.
كما تطرح «المسخ» الازدواجية في التركيبة البشرية، فـ«الغيتو» يمثل المسخ في ظاهرة الشكلي، اما الداخل فهو اصرار على بشرية المجتمع اليهودي المنغلق في الغيتو الذي وظفته الصهيونية لخدمة مصالحها وبين الشكل الممسوخ والداخل البشري ثمة تأكيد بان ما يحدث من مسخ وازدواجية حقيقة لا يمكن انكارها، حيث يصر «غريغور» على ان الانقلاب الشكلي الذي طرأ في تكوينه «لم يكن حلما» وان روحه تستنطقه كانسان ذي مشاعر، من هنا يحكم كافكا بالموت على بطله غريغور عندما يزاوج بين ظاهره الشكلي الممسوخ، وباطنه البشري، وامام صراع الشكل والمضمون يتوجب على الطرف الممسوخ «غريغور» حسم الهوية التي ينتمي اليها (هل هو خنفساء منبوذة في المجتمع؟ - الصورة تشير الى «الغيتو اليهودي» - ام هو كائن بشري له شخصيته وخصوصيته الآدمية؟
- الصورة هنا تتمثل بكسر طوق العزلة، والتوجه نحو الحياة البشرية ببناء «الكيان القومي» للشعب اليهودي، اما استمرار «غريغور» على هيئة مسخ «الغيتو اليهودي» فيشير الى الموت هو المحصلة النهائية).
وهنالك ابعاد اكثر خطورة لـ «المسح» تتمثل في ضرب بناء الاسرة بعرض الحائط، وتصويرها على انها تمثل السلطة العائلية العليا - سلطة الأب -، وهو ما يدعو الى التمرد على تركيبة الاسرة، واعادة بنائها وفق الرؤية اليهودية المعقدة بخرافات التوراة والتلمود، وامام السلطة الابوية التي رسمها كافكا وفق رؤاه الخاصة، تتضح سلطة المجتمع العليا - رئيس الموظفين، المستأجرين ..-، وهذه السلطة التي يحاول كافكا تحطيم عُراها تكمن في المجتمع الأوروبي اللايهودي (مسيحيي اوروبا).
وبالرغم من ان قصة «المسخ» اكثر الاعمال وضوحاً، الا انها تجتاز حدود الوضوح والبساطة عندما نتوغل في عالمها لمتماسك والمترابط بشكل محكم، فالعلاقات الداخلية في النص ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعالم كافكا الخارجي: الاب القاسي هو السلطة العائلية العليا .. وهذا ايضاً ما تصرح به احدى أخوات كافكا بأن قصة «المسخ» تنطلق من قلب عائلة والدها «هرمان».
لذا كان لا بد من كسر طوق العزل «الغيتو» والتمرد على السلطتين وتشكيل هوية مستقلة لليهود، تكون الطريق لما هو ابعد، كما يرى ذلك كافكا في «الصهيونية».
وأحد معالم الغموض التي يتقنع بها نص كافكا يتمثل في الطقوس التوراتية التي يطرحها، حيث كان «غريغور سامسا» نبيلاً قدم وضحى للأسرة والمجتمع، لكنه فوجىء بإهمال الآخرين له عندما تحول الى مسخ، عومل بقسوة ورفض من الجميع، وهو ما يعكس التصور اليهودي التوراتي الذي يقدم ما هو خير ونبيل للبشرية التي لا تستحق ذلك، لأن الخير والنبل مع الآخرين لا يجدي، لأنهم ليسوا من انقياء العرق، ولأن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، وبذلك يكون التلاقي الفكري مع الحركة النازية.
اما رواية «المحاكمة» فهي اكثر الأعمال انطواء على الشخصية اليهودية، كما يوضح «ماكس برود»، وكما يشير كافكا في احدى رسائله السرية الى «فيليس باور».
وامام القراءة السابقة فان هنالك قراءة اخرى تقف عند حدود النص الداخلية ولا تتعدى المضمون والمحتوى، مجردة اي علاقة لحياة الكاتب بالنص على اعتبار ان الفن للفن، وان الادب حتى يكون ادباً، عليه ان يستقل بذاته عما يحيط به، وعليه يجب عزل النص الادبي عن المحيط الخارجي، وان نكتفي بما يطرحه من دلائل وعلامات استفهام، في حين هنالك قراءة تقوم على ربط السياق الداخلي للنص مع المحيط الخارجي.
ولا يمكن اعتبار «كاتب النص» آلة مبرمجة على اساس عدم التفاعل والتأثر والتأثير بالمحيط الثقافي والاجتماعي والسياسي، بل ان الكاتب لا يكتب النص لولا تأثره بمحيطه الذي افرز لديه الطاقة على الكتابة، وهو ما يقود الكاتب الى محاولة التأثير والتغيير بهذا المحيط.
من هنا، فان بيئة اي كاتب تمثل المفتاح لقراءة اعماله ومنجزاته الادبية والفكرية.
***
لم يكن كافكا اديبا اعتياديا نراه كما نرى غيره من المبدعين والكتاب، بل شخصية تتداخل فها الاحداث، ومزيجا لونيا معقدا يصعب على المشاهد تحليل لونه الاصلي لمجرد النطر.
والادلة حول «تصهين» كافكا، واشنغاله في تلبية الطموحات اليهودية، والواجبات التوراتية واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج الى عملية برهنة علمية، حيث الرسائل السرية الى حبيبته «فيليس باور» تكشف المستور، وصديقه «ماكس برود» الصهيوني يوضح ويصرح بصدق نوايا كافكا، وأن خدماته الثمينة والنفيسة لـ«القضية الصهيونية» لا يمكن تجاوزها وما نريد الوصول اليه هو تعرية الشخصية اليهودية المتصهينة التي تتستر تحت مسميات متعددة، والتأكيد على ان الادب الصهيوني كان الممهد للسياسة الصهيونية، في حين ان الادب والسياسة الصهيونيتين كانا الذراع الصلب لمواكبة الفعل القتالي كما يوضح ذلك الروائي الشهيد غسان كنفاني.
حيث وظف اللوبي الصهيوني العالمي الادب لترسيخ الاحلام والطموحات «التوراتية» في ذهن البشر، والانطلاق فيما بعد لتنفيذ ما يكتنزه الذهن البشري على ارض الواقع، فكانت رواية «الارض الجديدة» لهرتزل، ورواية «دانيال ديروندا» لجورج اليوت، ورواية «عوليس» لجيمس جويس...
وأمام تبعثر اوراق النقاد والكتاب بين هنا وهناك، بين اللا والنعم كان لا بد من حسم المسألة لكيلا يضيع المعنى بين المتناقضين، فهل كافكا اديب عالمي سعى لخدمة الانسانية من خلال قصصه ورواياته ام ان الادب هو ستار الرغبة والطموح «الديني والسياسي» لديه؟
يكفي للاجابة ان نأخذ طموح كافكا وصدق نواياه للصهيونية العالمية حينما اطلق صرخته:
«حتى لو لم اهاجر الى فلسطين، فانني وددت ان اموت واصبعي موضوعة على الخريطة»!