قبل ايام كان الجنرال مشرف يشكل مشكلة في دولة باكستان من وجهة نظر معارضيه وخصومه، وبعد استقالة مشرف هناك سبب للاعتقاد بأن نواز شريف وآصف سرداري وما بينهما من خلافات واختلاف وما يمثلانه في الشارع الباكستاني، سيكونان مشكلة باكستان المقبلة في مرحلة ما بعد الجنرال مشرف. لقد وصف السيد آصف سرداري، زوج المرحومة بناظير بوتو بأنه رجل غير متعلم ولا يملك التأهيل الكافي ليكون زعيماً سياسياً وحزبياً، وانه رجل عابث في شبابه ومستفيد بكل المقاييس من علاقته بآل بوتو، عبر المصاهرة، وانه مثّل الجانب الضعيف في حياة بناظير بوتو لما مارسه من فساد ونفوذ ومنفعة من موقعه القريب من رئيسة الوزراء السابقة، ما اضعف موقفها ابان تسلمها رئاسة الوزراء، وقد حكم عليه بالسجن عدة سنوات بتهمة الفساد ثم خرج بترتيب خاص، في زمن الجنرال مشرف، وقد يكون هذا احد الاسباب التي تدعوه لمعارضة أي اجراءات قانونية كيدية بحق الرئيس مشرف في هذه المرحلة. فالرجل بكل المقاييس لا يمثل الخيار المناسب لرئيس دولة الباكستان ولا البديل الذي يملأ الفراغ الكبير الذي تركه غياب بوتو ومشرف من الساحة السياسية، وفي ظرف تواجه فيه الباكستان خطر الانقسام الداخلي، وخطر التدهور الاقتصادي. فضلاً عما تواجهه من مصاعب مع الهند، والنفوذ الاميركي المتصاعد في باكستان، والذي جعل من اولويات السياسة الاميركية في القارة الهندية وافغانستان اولويات مفروضة على باكستان ونظامها السياسي، كما ان تولي آصف سرداري، رئاسة باكستان سيجعل من حزب الشعب، الاوفر حظاً في الشارع الباكستاني حالياً هدفاً مباشراً لجميع القوى المعارضة له، ولن يمثل سرداري سوى قيادة ضعيفة يسهل توجيهها والسيطرة عليها من الخارج والتأثيرفيها من الداخل، ما يجعل عهد الرئيس مشرف ميزة بالنسبة لمثل هذا العهد. اما نواز شريف الذي يمثل قيادة اكثر نضجاً ودهاء وتجربة على الصعيد السياسي، واكثر براغماتية فهو ايضا ادين بالاستئثار بالسلطة والفساد ونفي في عهد الرئيس مشرف، لكنه حافظ على شبكة علاقات اسلامية ودولية وبقي احد العناوين الرئيسة في معارضة عهد الرئيس مشرف، وقد وازن في الفترة السابقة بين خصمين كلاهما خطر عليه، فاختار التحالف مع حزب الشعب خصمه السياسي التقليدي لمواجهة الرئيس مشرف عدوه المباشر، وقد اثمرت جهود نواز شريف في انضاج فكرة الاطاحة بالرئيس مشرف، ولهذا فقد لا يقبل وهو الذي يمثل اكبر الاقاليم في باكستان اقل من الشراكة الكاملة مع حزب الشعب أي تولي رئاسة الحكومة بصلاحيات كاملة مقابل رئاسة الدولة لأصف سرداري هذا اذا استمر الوفاق بين قطبي التحالف الوطني في باكستان. وقد تكون عملية اعادة القضاة المفصولين وهم قرابة سبعين قاضياً ورقة المساومة في يد نواز شريف الان اذ يخشى سرداري ان يفتح رئيس القضاة مرة اخرى ملف الاتهام بالفساد ضد سرداري الذي طوي بعفو خاص من قبل الرئيس مشرف. غير ان بقاء الرئيس مشرف على الساحة الباكستانية وعدم اختياره المنفى الطوعي كما اختار خصومه في الماضي، يعني انه مستعد لمواجهة جميع الاحتمالات وانه ما زال يأمل في لعب دور سياسي سواء مباشر او من خلال قوى واحزاب مؤيدة على الساحة الباكستانية او انه يراهن على احتمالات المستقبل وحتمية نشوب صراع حزبي وسياسي بين حزب الشعب وحزب الرابطة الاسلامية الذي يقوده نواز شريف. وفي النهاية يبقى دور الجيش كإحدى القوى الحاسمة في تقرير مصير الباكستان وتوجهاتها العامة، ويأخذ هذا الدور مداه، عندما تؤدي السياسات التي تتخذ او التوجهات او الصراعات الداخلية او سوء الادارة الى تعريض مصالح شعب الباكستان ودولته للخطر، او عندما يصبح عدم الاستقرار او الفوضى الداخلية خطرا على سلامة واستقرار دولة الباكستان. سقوط مشرف في باكستان، حلقة اخرى من حلقات السقوط الحتمي لجميع الرموز الكبيرة التي وظفت دورها لخدمة الاهداف الاستراتيجية والسياسات الاميركية التي ارتبطت بحرب العراق، أو الحرب على الارهاب او سياسة تجاوز القانون الدولي بالحروب والمغامرات الاستباقية. تحديات عديدة ستواجه العهد المقبل ورئيسه في باكستان ومنها الصعود المتواصل لنشاطات القوى الاسلامية المتطرفة، وتصاعد وتيرة الارهاب والعنف الداخلي، وما خلفه القتال الدائر في مناطق الحدود مع افغانستان من مرارات وعداء قبلي ليس من السهل تجاوزه بسهولة في كل الضغوط التي تمارس على باكستان للعب دور رئيس في محاربة الارهاب الوافد اليها عبر افغانستان، والتطرف المتنامي على ساحتها. نواز شريف وآصف سرداري عنوان لمرحلة سياسية قلقة ومضطربة ايضاً في باكستان وقد يشكلان المشكلة السياسية المقبلة في باكستان وبخاصة نواز شريف الاكثر ذكاء وحيلة سياسية والاتجاه الذي تأخذه علاقة الطرفين وحزبيهما ستحدد ملامح المرحلة المقبلة في باكستان الذي يلف مستقبلها السياسي واستقرار الاوضاع فيها الكثير من المخاوف والاحتمالات.