كان الحديث وما زال عن وجود مشروع إيراني في العراق مرتبطاً بمراحل مختلفة مرت بها العلاقات الإيرانية العراقية بين صعود وهبوط، نجاحات وانتكاسات وفي كل هذه المراحل، كان لإيران مشروعها في العراق الذي يُعبر عن خصوصية كل مرحلة من تلك المراحل، ابتداء من غزو الشاة إسماعيل الصفوي للعراق واحتلاله بغداد عام 1508 ميلادية مروراً بعهد نادر شاة ثم عهد الدولة القاجارية ثم الدولة البهلوية وقيام الجمهورية الإسلامية على أنقاض إمبراطورية محمد رضا بهلوي في شباط 1979. في كل تلك المراحل كان المشروع الإيراني الخاص بالعراق يعبر عن مصالح محدوده مرتبطة بخصوصية كل مرحلة والان وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط بغداد في 9 نسيان 2003 نستطيع ان نتحدث عن مصالح إيرانية جديدة أفرزها واقع الاحتلال الأمريكي للعراق حيث تتنوع هذه المصالح بين مصالح عليا وأخرى ثانوية وتستطيع إن تقول إن المصلحة الإيرانية العليا في العراق هي في الحيلولة دون ظهور العراق من جديد كتهديد لإيران سواء كان ذلك في شكل.عسكري أو سياسي أو إيديولوجي، وسواء كان من خلال إخفاق (سقوطه في حرب أهلية أو نشوء كردستان عراقي مستقل مصحوب بملابسات ضخمة للأقلية الكردية الإيرانية)، أو نجاحه (توحده كديمقراطية بديلة أو نموذج ديني يناشد المواطنين غير الموالين الذين يعيشون في إيران). وبناء على ذلك، يمكن القول إن إيران مصممة على الاحتفاظ بوحدة أراضي العراق بتجنب عدم الاستقرار الشامل، والتشجيع على وجود حكومة صديقة يسيطر عليها الشيعة الموالون لطهران. والاهم من ذلك، الإبقاء على الولايات المتحدة منشغلة في وضع حرج بالمأزق العراقي، كي تتفرغ لتصفية حساباتها مع إيران. هذا النوع من الإدراك الإيراني للمصالح في العراق ساهم في بلورة إستراتيجية ذات ثلاثة إبعاد، هي: التشجيع على الديمقراطية من خلال الانتخابات (كوسيلة لإنتاج الحكم الشيعي)، والترويج لخلق درجة ما من الفوضى البناءة، بحيث تكون سهلة الانقياد ( وذلك لإحداث اضطراب مطول ولكن قابل للسيطرة عليه) والاستثمار في سلسلة واسعة من الفاعلين المتنوعين الذين كثيراً ما يكونون منافسين (لتقليل المخاطر إلى الحد الأدنى في أية نتيجة يمكن تصورها).ومن هذه المصالح والاستراتيجيات، نستطيع بلورة الأهداف الإيرانية في العراق على النحو التالي: * الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية ومنع تفككه، من هنا جاءت فكرة دعم مطلبالفيدراليات في العراق وبالذات بالنسبة للأكراد للحيلولة دون دفعهم إلى فرض التقسيم والاستقلال عن الدولة العراقية كأمر واقع حيث كانت سياسات الموالاة التي أنتجتها إيران إزاء مطالب الأكراد في الفيدرالية ضرورية لاحتواء مطالب نوازع التقسيم والانفصال الكردية. * دعم فكرة وجود حكومة عراقية مركزية تكون قوية بما فيه كفاية للحفاظ على وحدة الوطن العراقي، ولكن ضعيفة لدرجة لا تستطيع معها أن تشكل خطرا في المستقبل على إيران، وليس هناك من وسيلة لتأمين إيران في العراق من اقامة حكم شيعي أو حكم يسيطر عليه الشيعة في العراق. من هنا، جاء الدعم الإيراني لخطة إجراء انتخابات عراقية من شأنها أن تأتي بجمعية وطنية يسيطر عليها الشيعة.وإذا كان التوجيه الإيراني لدعم مطلب الديمقراطية في العراق قد جعل هذا التوجه الإيراني متوافقا مع السياسة الأمريكية، فأن إيران حاولت استثمار هذا التوافق المصادفة في اتجاهين، الأول : تمكين حلفائها في العراق من الحصول على أعلى درجات الدعم الأمريكي بما يقوي من سلطاتهم في الحكم العراقي الجديد، وهذه مصلحة إيرانية بحتة. والثاني : توظيف هذا التوافق لتليين التصلب الأمريكي إزاء البرنامج النووي الإيراني. * احتواء المشروع الأمريكي في العراق من خلال توريط الولايات المتحدة في حرب استنزاف داخل العراق لتحقيق هدفين رئيسيين، أولهما: الحيلولة دون تمكين الولايات المتحدة من تكرار تجربة تغيير الأنظمة في دول أخرى بالمنطقة وفي مقدمتها إيران، وثانيهما: منع الولايات المتحدة من التفرغ لانتهاج سياسة عدوانية ضد إيران. فالتورط الأمريكي في العراق يخدم المصالح الإيرانية ويسهم في إيجاد رأي عام أمريكي وعالمي رافض لسياسة التدخل العسكري ومطالب الانسحاب الأمريكي من العراق. هذا الهدف يكشف عن دعم إيران لما يمكن تسميته سياسة الفوضى المسيطر عليها في العراق، لكنها في الوقت ذاته تدعم سياسة التفاهم بين أعوانها في العراق وسلطات الاحتلال. من خلال هذه السياسة ومن خلال أدوات ضغط أخرى كثيرة منها الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر والمكثف في العراق. يمكن لإيران تحجيم أي ضغوط عسكرية أمريكية ضدها. هذه السياسة المزدوجة شجعت هاشمي رفسنجانى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام على أن يرد على سؤال حول موقف إيران من سياسة الحصار الأمريكي المفروض عليها من كل الاتجاهات بالقول في سخرية واضحة: من الذي يحاصر من؟ ، أراد رفسنجانى ان يقول أن وجود حوالي 140 ألف جندي أمريكي في العراق يجعل هؤلاء الجنود مشروع رهائن بالنسبة لإيران التي بات في مقدورها استخدام هؤلاء الجنود كورقة ضغط على واشنطن.
