النقاش الدائر منذ ما يزيد عن العامين والذي انشغل فيه العديد من المتحاورين ناشطين واحزابا سياسية وبعض مؤسسات المجتمع المدني حول تأسيس تيار ثالث أو (التيار الديمقراطي) ما زال يراوح مكانه، رغم التوجه العام للدولة ممثلا بأعلى المستويات، لان يرى مثل هذا التوجه النور بحيث تنتظم الحياة الحزبية في ثلاثة او اربعة تيارات سياسية. والغريب في الامر انه رغم إعلان الدولة دعمها الذي تحرص ان لا يصل الى مرحلة التدخل والذي يدل على وجود ارادة سياسية تدعو لاصلاح المشهد الحزبي، فإن رؤية عامه برزت في كل النقاشات واللقاءات التي جرت بين القوى السياسية المنشغلة والمعنية بهذا التوجه ترى ان تأخر تأسيس هذا التيار يعود الى غياب الارادة السياسية للدولة ومؤخرا برزت رؤية جديدة تشير الى ان الحياة الحزبية لن تنتظم الا بتقزيم بعض القوى السياسية القائمة بما يؤدي الى حالة من التكافؤ بين الاطر الحزبية. وعلى وجاهة الرؤيتين بالنسبة الى اصحابهما فإن كليهما يحمل تناقضا ربما يعبر في بعض جوانبه عن عدم نضوج سياسي او عن تقاعس وتردد كبير وبحث عن اسباب تبريريه ويعبر في جانبه الآخر عن غياب الارادة لدى هذه القوى السياسية في التجمع في تيار ثالث فالحراك الديمقراطي في تاريخ ديمقراطية الدول لم يشهد حالة طوعية من تخلي الدولة عن القضاء العام لمكونات مجتمعيه وسياسية لم تنجز بعد ولم تختبر مقولاتها ومدى رشاد حراكها السياسي، وانما تنافس على هذا الفضاء أجهزة دولة مركزية وقوى حية نضجت وكونت رؤية وبرنامجا وبحكم تشابك وتعقد التفاعلات بين مكونات المجتمع ونموها بشكل مضطرد تمكنت هذه القوى من تقاسم هذا الفضاء بنسب مختلفة مع اجهزة الدولة عبر قواعد دستورية وديمقراطية. ان السؤال الرئيسي الذي ينبغي للمتحاورين وللقوى الناشطة من اجل اشهار التيار الديمقراطي التأكد من الاجابة عليه هو هل لدينا ارادة حقيقية من اجل اشهار هذا التيار وعليهم ان يتأكدوا ان لا تكون اجابتهم مقرونة في سياسات انتظارية او مقرونة بحجة عدم تبلور ارادة سياسية للدولة ومن ثم هل هناك رؤية واضحة او هل يمكن الاتفاق على رؤية لهذا التيار كطريق لاكتساب الاهلية السياسية. واقع الحال بعد عامين من النقاش ربما يحمل بارقة امل، فالجميع مؤمن بضرورة قيام تيار يهدف الى تعزيز الديمقراطية والمشاركة في الحكومات والجميع كذلك مختلف حول قيام تيار جديد يقضم الاحزاب والقوى القائمة والتي تعمل من اجل اشهاره، وهاتان نقطتا اتفاق ينبغي العمل من خلالهما. وبموجب ذلك فان الرؤية الاقرب لنشوء هذا التيار ضمن المعطيات الحالية تفترض حالة من الائتلاف من القوى القائمة. ومن هنا يفترض ان تنصب النقاشات حول شكل الائتلاف واعضائه، لكن الائتلاف ليس من اجل الائتلاف او التجمع ، وانما من اجل تحقيق اهداف التيار او قضاياه او برامجه التي ينبغي ان تحدد وفق الاولويات العامة لجميع اعضائه وتصاغ كبرنامج عمل ملزم للجميع سواء كانت اولويات او قضايا ديمقراطية وسياسية او كانت اجتماعية يسعى التيار من خلال تحقيق انجازات حقيقية من خلالها الى اكتساب اهليته السياسية واكتساب ثقة الناس ودعمهم، وبخلاف ذلك فان بارقة الامل هذه قد يصعب التعويل عليها فما بين فقدان الارادة وغياب الرؤية المشتركة عند المتحاورين فان الرهان على قيام هذا التيار ضمن المعطيات الحالية يبقى بحاجة الى الكثير من الوقت وربما الى متحاورين جدد.