تُعد زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، للجناح الأردني في معرض إكسبو حدثًا ذا دلالات متعددة تتجاوز حدود البروتوكول الدبلوماسي، لتعكس رؤية وطنية شاملة تهدف إلى ترسيخ الهوية الأردنية في المحافل الدولية، وتعزيز حضور المملكة الأردنية الهاشمية على الساحة العالمية من خلال أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية.
تأتي هذه الزيارة في إطار التزام الأردن بالتواصل الفعّال مع العالم، والترويج لفرصه الاقتصادية والاستثمارية، وإبراز ثرائه الحضاري والثقافي، بما يعزز من صورته كدولة تنتمي إلى المستقبل، وتحترم جذورها في آن واحد.
أولى الرسائل الرمزية التي حملتها الزيارة كانت تأكيد عمق العلاقات الأردنية اليابانية. فقد التقى سمو ولي العهد خلال زيارته لطوكيو سمو الأمير فوميهيتو ولي عهد اليابان، وسمو الأميرة كيكو أكيشينو، حيث تم استعراض علاقات الصداقة المتينة بين البلدين، وبحث سبل تعزيز التعاون في مجالات متنوعة تشمل الاقتصاد، التعليم، التكنولوجيا، والثقافة. إن هذا اللقاء لم يكن بروتوكوليًا فحسب، بل حمل في طياته حرصًا متبادلًا على توطيد الشراكة الثنائية في ظل عالم يشهد تحولات سريعة تتطلب تعاونًا دوليًا أوثق.
في بُعد إنساني وشعبي، حملت زيارة ولي العهد أيضًا طابعًا داعمًا للجالية الأردنية في اليابان، إذ التقى عددًا من الرياديين وقادة الأعمال الأردنيين المقيمين هناك. وقد تبادل معهم الحديث حول تجاربهم وإنجازاتهم في مجالات متعددة مثل الطب، الهندسة، التصميم الحضري، التعليم، والبرمجة، مما يعكس اهتمام القيادة الأردنية بأبناء الوطن في الخارج، وتشجيعهم على نقل خبراتهم واستثماراتهم إلى الوطن. إنها رسالة بأن الأردن لا ينسى كوادره، بل يحتضنهم ويحرص على تمكينهم أينما كانوا.
أما الجناح الأردني في معرض إكسبو، والذي جاء تحت شعار “جذور راسخة لغدٍ أفضل”، فقد شكل نقطة محورية في هذه الزيارة. إذ قدم الجناح صورة متكاملة عن الأردن، تدمج بين إرثه الحضاري الضارب في عمق التاريخ، وتطلعه لبناء مستقبل قائم على الابتكار والاستدامة. من خلال عروضه التي تشمل مواقع أثرية، تقنيات زراعية حديثة، نماذج معمارية، ومأكولات تقليدية، استطاع الجناح أن ينقل الزائرين في رحلة عبر الزمان والمكان، تُجسد التنوع الجغرافي والثقافي للمملكة الأردنية الهاشمية.
على الجانب الاقتصادي، اكتسبت الزيارة أهمية خاصة في ظل ما أعلنته اليابان عن ترحيبها الكبير بمشاركة الأردن في معرض إكسبو أوساكا 2025، حيث شدد المسؤولون اليابانيون على أهمية هذه المشاركة في دفع التعاون الثنائي إلى آفاق جديدة، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والطاقة الخضراء. ويُنظر إلى الأردن، بتركيبته السكانية الشابة، على أنه شريك مثالي لليابان، التي تواجه تحديات ديموغرافية كبيرة. ومن هنا، تشكل هذه الزيارة بداية مسار اقتصادي واعد قائم على التكامل بين القدرات البشرية الأردنية والتقنيات اليابانية.
الأبعاد الثقافية والسياسية لهذه الزيارة تؤكد دور “الدبلوماسية الثقافية” كأداة استراتيجية في السياسة الخارجية الأردنية، إذ لم يعد يكفي أن يكون للدولة حضور سياسي فحسب، بل ينبغي أن تكون لها قدرة على سرد قصتها وتقديم نموذجها الحضاري للعالم. وقد نجح سمو ولي العهد في توظيف هذه الزيارة لتقديم الأردن ليس فقط كمقصد سياحي أو شريك اقتصادي، بل كدولة تمتلك رؤية، وشعبًا نابضًا بالحياة، وهوية متميزة
وتعكس زيارة الأمير الحسين للجناح الأردني في معرض إكسبو تجليًا واضحًا للسياسة الأردنية الحديثة، التي ترتكز على بناء علاقات دولية قوية، وترويج الهوية الوطنية بكفاءة، والانفتاح الواعي على العالم. هي رسالة بأن الأردن، رغم تحدياته، يملك الطموح والإرادة ليكون فاعلًا على الساحة الدولية، مستندًا إلى تراثه، ومدفوعًا بطموحات شبابه، وملتزمًا بمستقبل مستدام يليق بشعبه وموقعه في العالم.