ساهمت النساء الأردنيات بحماية الاستقلال وتعزيزه منذ لحظة إعلان مؤسس البلاد الملك الراحل عبدالله الأول طيب الله ثراه، إنهاء الانتداب وإعلان المملكة الاردنية الهاشمية دولة مستقلة.
وتمكنت المرأة الأردنية من استثمار الأجواء العامة التي انتقلت بالدولة من إمارة تحت الانتداب إلى مملكة مستقلة استقلالاً تاماً في 25 أيار عام 1946 على أساس النظام النيابي الملكي، تأسست فيها الأجهزة ووضعت الأنظمة والقوانين، فقد كان للاستقلال تأثيراً بارزاً على مسار الحركة النسائية التي نشطت منذ تأسيس إمارة شرق الأردن.
فالأردنيات خضن قبل مرحلة الاستقلال معارك كي ينتزعن حقوقاً سياسية وقانونية واجتماعية للمرأة الأردنية، لكن كانت تواجه بعقبات الانتداب وتبعاته ما أدى إلى تبعثر الجهود دون أن يحققن مساعيهن، بيد أن إعلان الاستقلال حفز القوى النسائية كي تتحرك لانتزاع حقوقهن.
ولعبت الرؤية السياسية للقيادة الهاشمية منذ لحظة إعلان الاستقلال، دوراً بارزاً في دفع الحركات النسوية إلى الاستمرار في نيل المرأة لحقوقها، خصوصاً وأن فلسفة الهاشميين للتنمية ونماء المجتمعات تتمثل بأنها لا تكتمل إلا بطرفي المعادلة: المرأة والرجل.
فقد أولت القيادة السياسية للتشريع أهمية قصوى لإزالة أي تمييز ضد المرأة منذ الاستقلال لغاية اللحظة، ما جعل الحكومات المتعاقبة تشرع القوانين المتعلقة بالعمل والحياة السياسية والتعليم والتأمينات الاجتماعية والصحة بما يكفل تقدم المرأة وتفعيل دورها في التنمية المستدامة.
وانعكست مرحلة الاستقلال إيجابياً على المرأة الأردنية بصورة واضحة، حيث كان لتحرر الأردن من التبعية البريطانية، تاثير إيجابي على كل مناحي الحياة بما فيها المرأة، فقد كانت من أوائل المستفيدات من الاستقلال، فأجواء التحرر من التبعية، حفزتها لمواصلة عملها وسعيها للارتقاء بمكانتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وكانت أول مذكرة رفعت للحكومة بعد مرحلة الاستقلال عام 1955، هي للمطالبة بمنح المرأة حقوقها، ووقعت عليها آنذاك العديد من النساء كان أبرزهن «إميلي بشارات وسهام العامري».
ومع إعلان الاستقلال يمكن تلمس مدى التقدم الذي حصل للمرأة الأردنية، والذي شكل نقطة تحول نوعية في حياتها وتاريخ نضال الحركة النسائية، فقد شعرت المرأة أن نيل حقوقها سيتحقق بتحرر بلدها واستقلاله. وعلى ضوء ما تقدم سار العمل النسوي في مسارين:
الأول تطوعي، حيث عملت جمعيات من بينها جمعية التضامن في العمل الخيري، والثاني سياسي اجتماعي، اذ ركزت جمعيات أخرى على النشاط السياسي الهادف إلى تحسين الوضع الاجتماعي للمرأة ورفع مستواها الثقافي، والاهتمام بصحة وسلامة الأطفال وتقديم الدعم للأمهات الفقيرات.
وشهدت الفترة بين عامي 1950- 1979 نشوء أكثر من 340 جمعية، وفي عام 1952 تقدمت النساء بطلب لوزير الداخلية آنذاك سليمان الحديدي لترخيص «رابطة الدفاع عن المرأة»، لكن لم يوافق، وفي عام 1970 تم ترخيص «جمعية النساء العربيات».
وكان عدد الجمعيات النسائية البحتة فقط (32) جمعية، وهذه المنظمات جميعها تخضع لقانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية لسنة 1966 في حين يبلغ عدد المنظمات النسائية (منظمات تديرها وترعاها نساء وتستفيد منها نساء) الآن (102) منظمة.
وبفضل الازدهار الذي واكب الاستقلال نشأت المنظمات النسوية في الأردن منذ أربعينيات القرن الماضي، إذ تأسست عام 1944 «جمعية التضامن النسائي الاجتماعي» بمبادرة من الأميرة مصباح زوجة الملك عبدالله الأول، ثم تلاها إنشاء «اتحاد المرأة الأردني» من قبل الملكة زين الشرف في عام 1945، ومن ثم تأسيس «جمعية الاتحاد النسائي»، وتأسس «اتحاد المرأة العربية» عام 1954.
وفي بداية السبعينيات تأسس عدد من الجمعيات والنوادي النسائية كان أبرزها «نادي صاحبات الأعمال والمهن» عام 1976، كما شكلت بعض التنظيمات اليسارية روابط نسائية تابعة لها، مثل رابطة النساء الديمقراطيات الأردنيات عام 1983، ورابطة المرأة الأردنية عام 1985، ومن ثم تأسس اتحاد المرأة الأردنية، الاتحاد النسائي، تجمع لجان المرأة الأردني، اللجنة الوطنية لشؤون المرأة وغيرها.
ويمكن القول إن نضال المرأة الأردنية بدأ بصورة فعلية في أوائل الخمسينيات للمطالبة بمنح المرأة حقها في الانتخاب والترشح للمجالس البلدية والنيابية، واستجابت الدولة الأردنية لهذه المطالبات لإيمانها العميق بضرورة أن تصبح المرأة الأردنية شريكة فاعلة للرجل في التنمية بشتى صنوفها، ففي 2/10/1955 أعطيت المرأة المتعلمة حق الانتخاب وليس حق الترشيح.
ووفق ما جاء بالفيلم التوثيقي لمسيرة المرأة في الأردن في ظل مئوية المملكة الأردنية الهاشمية، الذي أعدته اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، ففي عهد الملك عبدالله المؤسس تم الاهتمام بالتعليم وإنشاء أول روضة أطفال، لتصبح المراحل التعليمية بالمدارسة الحكومية على ثلاث مراحل (رياض الأطفال، والابتدائي، والثانوي)، وكانت السيدة زينب أبو غنيمة أول معلمة في مدرسة حكومية.
كما ذكر الفيلم أنه بدأ عمل النساء في القوات المسلحة كمعلمات في مدارس التربية والثقافة العسكرية عام 1950، وفي عام 1952 نص الدستور على المساواة بين الأردنيين دون تمييز بحق العمل والتعليم.
ووثق الفيلم أنه تم تأسيس أول مدرسة تمريض للإناث عام 1954، وعينت أول امرأة (لوريس حلاس) في السلك الدبلوماسي عام 1970 كما تم تأسيس أول مدرسة للشرطة النسائية عام 1972.
في عام 1974 أعطى قانون الانتخابات الصادر في العام ذاته المرأة حق الانتخاب وكذلك حق الترشح، وبنفس العام تبنى الأردن العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وخلال الفترة التي تعطلت فيها الحياة النيابية في عام 1978 تم إنشاء المجلس الوطني الاستشاري وضم في عضويته ثلاث نساء إلى جانب الذكور في دورته الأولى، وأربع نساء في الدورتين الثانية والثالثة.
وتوالت الإنجازات التي تحققت للمرأة، فقد حصلت بفضل دعم من جلالة الملك عبدالله الثاني على ستة مقاعد في مجلس النواب عندما خصصت حصة لها عبر الكوتا التي صدر القرار بها في قانون الانتخاب المؤقت عام 2003 وتمت زيادتها إلى 15 مقعداً.
وفيما يخص السلطة التنفيذية استمرت المناصب الوزارية حكراً على الرجال حتى عام 1979، حيث تم تعيين أول امرأة في منصب وزاري لحقيبة وزارة التنمية الاجتماعية، حيث وصلت ذروتها في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني وذلك بتعيين أربع وزيرات في إحدى الحكومات.
ومنحت المرأة حق الانتخاب والترشح للمجالس البلدية عام 1982 وحصلت على كوتا في قانون البلديات بلغت في القانون الحالي 25% من مجموع المقاعد كحد أدنى.
وتطور عمل المرأة في الجهاز القضائي بدخول القاضية تغريد حكمت عام 1996 السلك القضائي، حيث استطاعت أن تثبت وجودها وتتبوأ مراكز عدة في الجهاز وبالدرجات القضائية المختلفة.
وفي عام 1989 تم تعيين السيدة ليلى شرف كأول امرأة في مجلس الأعيان.
وفي عام 1992 تم المصادقة على اتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
ويعد نجاح المرأة في الوصول للمواقع القيادية ومساهمتها الفعالة في الحياة العامة ومؤسسات المجتمع المدني من أهم مظاهر العدالة بين الجنسين.
فعلى صعيد المشاركة في الحياة العامة، أشارت الإحصائيات لعام 2016 إلى أن واحداً من بين كل خمسة أعضاء في السلك الدبلوماسي والقضائي هي أنثى حيث بلغت النسب (20.1% و18.9%) على التوالي، وواحد من بين كل ثلاثة أعضاء في الأحزاب السياسية هي أنثى ايضاً.
كما شكلت نسبة السفيرات 11.1% من إجمالي السفراء في عام 2016 أي أنّ هنالك سفيرة واحد من بين كل تسعة سفراء تم تعيينهم.
وشهد الأردن تطوراً في مجال تعليم الإناث وتحقيق المساواة بين الجنسين، حيث يعتبر تعليم الإناث من أهم الحقوق الاجتماعية، وهو أحد أبرز مؤشرات المساواة بين الرجال والنساء نحو تنمية مجتمعية مستدامة.
وأظهرت بيانات وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي (2016-2017) أنّ 49.1% من الملتحقين في مرحلة التعليم الأساسي كنّ من الإناث، كما شكلت الإناث في التعليم الثانوي الأكاديمي أكثر من نصف الطلاب.
وعلى صعيد التعليم العالي، سجلت نسبة التحاق الإناث في الجامعات الأردنية 51.6% مقابل 48.4% للذكور في عام 2016. وتشير الإحصاءات إلى وجود ميل لدى الإناث للالتحاق في مجال الكليات النظرية 53.4% مقابل الكليات العلمية 46.6%.
وفيما يتعلق بأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية، أظهرت البيانات أن 25% من مجموع أعضاء الهيئة التدريسية هنّ من الإناث.