يُعتبر التفاعل الاجتماعي الركن الأساس في تكوين العلاقات الاجتماعية، والتي ينتج من خلالها كل أشكال الارتباط بين الأفراد والجماعات أو العكس، وهذا الارتباط ينتج عنه تأثير متبادل، فالتفاعل مبني على التأثيرات والترابطات المتتالية والمتواترة من فرد لآخر،فتبادل الحاجات يتطلب التفاعل بين أفراد المجتمع في مختلف مراحل حياتهم وعلى اختلاف مواقعهم، وتتضمن هذه العلاقات معايير ومبادئ وقيما مُتفقا عليها غالباً بهدف توحيد مفهوم وأبعاد العلاقات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية تتضمن السلوكيات الاجتماعية التي تتطلب جهداً من أجل تبادل التأثيرات وذلك للحفاظ على العلاقات مستقرة وقوية، ليتم عن طريق هذا التأثير المتبادل تشكّل الحياة الاجتماعية، حيث أنّ العلاقات الاجتماعية القائمة على أسس إيجابية تُمهّد لإنتاج شخصية سويّة متزنة نفسياً وصحيّاً، وعلى النحو الآخر فغالباً ما ينتج عن العلاقات الاجتماعية السيئة بعض مظاهر الانحرافات النفسية، والتي تتخذ أشكالاً تتناوب بين الانحرافات الظاهرة أو الباطنة.
والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فهو يولد في أسرة ثم يتدرج في مراحل نموه ودرجات إدراكه، ولهذا فإنّ عمليات التفاعل الإيجابية التي تتم داخل الأسرة على أساس المشاركة الوجدانية والروحية والفكرية والاجتماعية بين الزوجين، سوف تؤتي ثمارها في تكوين شخصيات الأبناء المتصالحة مع نفسها، فكلا الوالدين يمتثل لذات القيم ويتشبث بمكارم الأخلاق ويتبع طرق التفكير عينها، وكلاهما يتمتع بذات الميول و الاهتمامات ويقدّر معنى المسؤولية الدينية والاجتماعية، وينظر لمسائل العمل والترويح عن النفس بذات العين، فيتقبلان الظروف التي يعيشان فيها بكل الثقة والأمل، وهذا ما يجعلهما متقاربين من بعضهما في التفكير والمشاعر والآراء، لذلك فإنّ أهم العوامل الأسرية التي تؤثر في عمليات تنشئة الأبناء هي الوالدان، عبر ما يهيئانه من بيئة خصبة لإنبات علاقات اجتماعية إيجابية بينهما وبين الأبناء، وهذا يعني بدرجة كبيرة أنّ علاقة الوالدين بالأبناء مسؤولة بدرجة كبيرة عن سعادة الأبناء أو تعاستهم، وعن صلاحهم أو فسادهم في مراحل حياتهم المختلفة، فطبيعة نظرة الأبناء للعلاقات الاجتماعية تعكس تصوّر الوالدين غالباً، كما أنّ ثقافة المجتمع بما تحمله من مشاعر وأحاسيس وأفكار وانفعالات وعادات وتقاليد وقيم ومعتقدات، تؤثر على تربية الأطفال واكسابهم الاتجاهات الضرورية، وفي تمثلهم القيم الدينية، وثقافة المجتمع وتفاعلهم مع الناس من خلال العلاقات الاجتماعية.
وإنّ من الضرورة بمكان إفهام الأبناء طبيعة تدرج وأهمية العلاقات الاجتماعية، ومدى تنوعها من حيث المضمون ودرجة الأهمية، فالعلاقة مع الوالدين، والعلاقة داخل الأسرة، والعلاقة مع الأقارب (الرحم) تمثل الدرجات الأولى للعلاقات ويجب إحاطتها بكل درجات الرعاية والاهتمام، أما العلاقة الرابعة فتتمثل بالعلاقة مع الأصدقاء أو الزملاء في العمل، أو الرفاق في النادي،.... الخ، فمن الضروري تعليم الأبناء كيفية تقدير المسافة الاجتماعية التي تفصلهم عن كل علاقة.
إنّ تنوع العلاقات الاجتماعية يُمكّن الفرد من التعرف على أنماط مختلفة من الشخصيات، ويُكسبه المهارات الاجتماعية والنفسية اللازمة لتكوين الصداقات، والحفاظ عليها، وإنّ المجتمعات الحديثة أصبحت أمام واقع مختلف تحكمه العديد من المتغيرات التي ألقت بظلالها، وتنوعت في أشكالها لإحكام مفاهيمها على الأجيال المعاصرة، كما هيأت الظروف والآليات القادرة على تفعيل نموها وتقبلها، فأصبحت القيم الفردية والثقافة الرقمية هي الأساس لدخول العالم الجديد.
إننا وإن لم نستطع التغلب على الآثار السلبية التي تركتها الحياة المعاصرة، فإنه يمكن لنا ممارسة نوع من المقاومة لهذه الآثار، أو إنتاج حالة تكيّف مع المتغيرات الكبرى التي دخلت إلى حياتنا، مع ضرورة استخدام هذا التقدم فيما يعود علينا وعلى علاقاتنا الاجتماعية بالفائدة، وذلك بأن نكون مجتمعاً محافظاً وليس متحفظاً، فالمجتمع المحافظ يتحرك بديناميكية، ليقبل المتغير الإيجابي ويرفض السلبي، في الوقت الذي يحتفظ فيه بقيمه النبيلة وموروثه الأصيل ما لم يتعارض مع الدين، في حين أنّ الفرد في المجتمع المتحفظ يحافظ على ما عنده من موروث فكري دون التجدد مع معطيات العصر أو تبني أي مراجعة لهذا الموروث.
[email protected]
