... حين كنت طفلا، ظهر راغب علامة... بأغنية مشهورة جدا: (لا تلعب النار بتحرء صبيعك....)، وأنا مثل كل جيلي كنت أسمعها، في التلفاز وفي المقهى.. وفي منزل (عواطف)... فقد كانت تضعها أيضا، وترفع الصوت كثيرا، حين تبدأ في المساء نوبة (الشطف) لساحات الدار... عواطف هي الأخرى أحبت راغب علامة.
الغريب أني كنت أحب اللعب بالنار كثيرا، كانت هوايتي اشعال الورق، والحشائش... وذات مرة أحرقت (معرش بطيخ) قديم وفارغ، وأشعلت عجل (كاوتشوك)... وكنت أصرخ مع أطفال الحي (هربجت).. حين ترتفع ألسنة اللهب، ولا أنكر أننا أشعلنا النار أيضا، في شجرة لا تعود لأحد... لكن اصابعي لم تحترق، بقيت سليمة... أتذكر أن الحرائق كانت تطال الحواجب والرموش، فقد سكبت يوما كمية كبيرة من الكاز على كومة (حطب).. وحين اشتعلت اجتاحت كامل حواجبي ورموشي، إضافة إلى كامل (الغرة)...
في اليوم الثاني حين دخلت الصف، ضحك الجميع... حتى أن أستاذ اللغة العربية لم يكمل الحصة من شدة الضحك، لأن وجهي كان يشبه... (طابة التنس).
السؤال الذي يحيرني هو: من أين أتى راغب علامة بهذه النظرية.. وهل صدقت المراهقات اللواتي، وقعن في حبه أن اللعب بالنار يحرق الأصابع...؟ هل راغب علامة نفسه لعب بالنار؟.. وتعرض لحروق من الدرجة الثانية في كفه؟..
حين تعديت الصف السادس، وكان الصيف يرمي بثقل شمسه على أكتاف قرانا.. كانت عواطف تصر، على نوبة (الشطف) المسائية، وتصر أيضا على (العلكة).. وترفع صوت راغب علامة كثيرا... وكنا صبية نمر من عند الأسوار، ونسرق القليل من شجرة الأسكدنيا.. وأحيانا (نتلصص) عليها.. وندرك كم كانت منسجمة مع الأغنية، وأنا حقيقية لا أعرف هل كانت (عواطف) تحب الموسيقى والطرب أم أنها وقعت في عشق راغب.
المهم.. غادرت الكرك طفلا، وحين جئت هنا... اكتشفت ثقافة جديدة في عمان، وهاي (الحاويات)... وكان إحراقها سهلا جدا، ولهيب نارها.. يغري جميع أطفال الحي.. فاحرقت كما هائلا من الحاويات.. ومع ذلك لم يحترق لي ولو حتى طرف إصبع.
الغريب أننا كبرنا، وتركنا اللعب بالنار..وعواطف هي الأخرى، تزوجت وأنجبت طفلا وكبر ابنها، وهو الان على مشارف التقاعد كما سمعت منه، وقرانا توسعت وكبرت.. لكن راغب علامة لم يكبر ابدا.. ظل كما هو.
بعد أكثر من 30 عاما على نظرية راغب علامة المشهورة، حول اللعب بالنار... وددت أن أخبره أمرا مهما وهو أن القلب احترق، وما فائدة الأصابع ياصديقي.. حين يحترق القلب؟... لعبت بقلبي الأوهام والخيبات، والحلم بوطن نشرق عليه ولا يشرق علينا.. والحلم بغد يكون لنا فيه مكان.. لعبت بقلبي الخطابات والأحزاب والنظريات والكتب... وفي النهاية، اكتشفت أن النار تصل القلب قبل الأصابع.. وتحرقه من دون لعب فيها.
وأنت يا صديقي حرقت أيضا قلوب المراهقات ـ بما فيهن عواطف ـ حين كنت تتلوى على المسرح صادحا بنظريتك العظيمة المتعلقة بالعلاقة بين النار والأصابع..
حتى العمر هو الاخر احترق.. وصحونا على مشهد وهو أن النار هي التي تلعب فينا.. ولسنا نحن من يلعب بها.
[email protected]
