«ضرب زيد عمراً» جملة مألوفة لكثيرّين تدّرس كمثال في قواعد اللغة العربية، ما وقع على عمر من ظلم قد ينصفه القانون عاجلا أم آجلا، لكن أين القوانين التي تنصف اللغة العربية من الانتهاكات التي ترتكب في حقها يوميا؟
تارة على يد مذيع غير مؤهل ينصب الفاعل ويرفع المفعول به، أو بسبب حب التظاهر من قبل بعض أفراد العائلات والطلاب باستخدام مصطلحات أجنبية كنوع من التباهي الزائف باعتبارها مقياسا للتحضر والتمييز الطبقي، وظنا منهم أنها تؤهلهم لسوق العمل، وتارة يبرز التجاوز على اللغة بيافطات بلهجات عامية وبأسماء أجنبية، تصفعنا عندما نقرأ «أهوه» بدلا من مقهى، و«دلع حالك»، «وئتك شو حلو» وغيرها كثير من المسميات، والتي تكشف لنا غياب الرقابة والمحاسبة.
يشير رئيس لجنة التربية والتعليم والثقافة النيابية النائب الدكتور إبراهيم البدور إلى: «ضرورة إعادة النظر في القوانين المعمول بها فيما يتعلق بمعالجة الاختلالات والتشوهات التي تحيط بلغتنا العربية، بما فيها قانون الأسماء التجارية».
وفيما يتعلق بقانون الأسماء التجارية، يشدد البدور على ضرورة إلزام الحكومة لأصحاب المحلات بتسجيل الاسم التجاري مع السجل التجاري، عند ترخيص أي محل لحماية اللغة العربية من مثل تلك التجاوزات.
ويضيف «على الحكومة ربط ترخيص أي محل بتطابق الاسم التجاري مع السجل التجاري، لأن القانون المعمول به حاليا سمح لمن يريد أن يمارس عملاً تجارياً معيناً أن يلتزم بفتح سجل تجاري فقط، وترك أمر تسجيل الاسم التجاري لصاحب العمل اختيارياً وليس إلزاميا، وهذا ما يدعو إلى ضرورة تعديل القانون أو إصدار الأنظمة اللازمة لحماية قانون اللغة العربية رقم (35) لسنة 2015، لمنع أي شخص من التغول على اللغة العربية والحفاظ على سلامتها».
ويشدد البدور على أن: «يشمل قانون الحماية في اللغة العربية الوظائف كافة بما فيها الوظائف العليا»، معتبراً: «قانون حماية اللغة العربية رقم 35 لسنة 2015 من أفضل القوانين لحماية لغتنا من التغول والضياع، وكل ما ينقصه إصدار ملحق أنظمة وتعليمات من الحكومة لإيجاد حلول عملية لهذا التقصير القانوني».
ويلفت رئيس قسم الملفات في مديرية السجل التجاري والعلامات التجارية في وزارة الصناعة والتجارة والتموين سعد الدبوبي الى أن: «الدائرة ملتزمة بتطبيق القانون فيما يتعلق بتسجيل الأسماء التجارية باللغة العربية حسب ما نصت عليه المادة (6) من قانون الاسماء التجارية رقم 9 لسنة 2006».
وينوه الدبوبي إلى أن دور دائرته يقتصر على تطبيق القانون، وهو الالتزام بالأسماء التجارية باللغة العربية، وفي حالة المخالفة تناط المهام بأمانة عمان الكبرى صاحبة الصلاحية في تنفيذ القانون.
ويعقب الناطق الإعلامي في أمانة عمان الكبرى ناصر الرحامنة، بأن الأمانة ملتزمة بتنفيذ القانون في حالة تغيير الاسم الوارد في السجل التجاري في وزارة الصناعة والتجارة والتموين، إذ يتم إزالة اللافتات التي تحمل الاسم المخالف ويترتب على ذلك غرامات مالية.
ويؤكد أمين عام مجمع اللغة العربية الدكتور محمد السعودي، أهمية قانون حماية اللغة العربية في المحافظة على اللغة العربية، ومنع أي تشوهات والحيلولة دون التغول عليها، مشيرا إلى أن دولا عربية خاطبت مجمع اللغة العربية لاستنساخ القانون الأردني.
ويوضح أنه فيما يتعلق بامتحان الكفاية العامة للغة العربية فقد تم تفعيله وخرج إلى حيز التنفيذ بسبب صدور نظام وتعليمات خاصة به ويعتبر هذا نجاحاً كبيراً للدولة الأردنية .
ويشير السعودي إلى أن نص المادة (10) المتعلقة بامتحان الكفاية في اللغة العربية تنص على أنه: «لا يعين معلم في التعليم العام أو عضو هيئة تدريس في التعليم العالي أو مذيع أو معد أو محرر في أي مؤسسة إعلامية إلا إذا اجتاز امتحان الكفاية في اللغة العربية».
ويطالب بأن يشمل امتحان الكفاية للغة العربية أي موظف يعين في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية إلى جانب من يعينون في الوظائف العامة.
ويضيف. هناك ثغرات في قانون حماية اللغة العربية فيما يتعلق بالشق الآخر لقانون اللغة العربية الخاص بموافقة الأسماء حيث لم يصدر له نظام وتعليمات، حتى يتم تنفيذه لذلك لا يستطيع مجمع اللغة العربية ولا أمانة عمان الكبرى ولا وزارة التجارة والصناعة والتموين ووزارة الادارة المحلية «البلديات» من تطبيق العقوبة على المخالفين حسب المادة (15) من القانون، وتنص على أنه«يعاقب كل من يخالف أحكام هذا القانون أو الأنظمة أو التعليمات الصادرة بموجبه بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار».
ويؤكد أن مجمع اللغة العربية أرسل للحكومة منذ سنتين نظاما كاملا لقانون اللغة العربية ولغاية الأن لم يصدر أي نظام وتم الرد من قبل الحكومة أنه لا يحتاج إلى نظام.
ويشير د. السعودي إلى أن مجمع اللغة العربية عمل جاهدا لتوثيق وتصوير المخالفات الموجودة في العاصمة عمان فيما يتعلق بالأسماء والاحتيال على الأسماء التجارية وبراءات الاختراع، وعند مراجعة موظفي المجمع لتلك المؤسسات لم يستقبلهم أحد وصرفوا بطريقة غير لائقة من قبل أصحابها.
ويقول: «بالرغم من ذلك تم استجابة عدد محدود منهم، وقام المجمع بتقديم كتب شكر لهم، ولكن السواد الأعظم مضى في طريقه مخالفا للقانون الموقع من قبل مجلس الوزراء والموشح بالإرادة الملكية».
ويقول الخبير القانوني المحامي عبدالله الصالح إن: «نصوص قانون حماية اللغة العربية نصوص آمرة لا يجوز مخالفتها ومن يخالفها يعرض نفسه للعقوبة المقررة في المادة (١٥) من ذات القانون ولكن تبقى الغرامة غير مطبقة لعدم وجود أنظمة وتعليمات حتى تخرج حيز التنفيذ».
ويطالب المختص بالدراسات اللغوية والنحوية وإعراب القرآن الكريم الدكتور عصام الشخيبي الحكومة بسن تشريعات قانونية ملزمة، تؤكد على استخدام مفردات وأسماء عربية خالصة، والعمل على إلزام الجهات الرسمية بضرورة تنمية مهارات اللغة العربية للموظفين .
تفاؤل
وفي المقابل، يقود مجمع اللغة العربية جهودا تجعلنا نعيد الثقة بقدرته في الحفاظ على سلامة اللغة العربية، وحمايتها من المخاطر والضياع عبر مشروعات فكرية وتنويرية تنهض بلغتنا لمواكبة متطلبات مجتمع المعرفة، وإصلاح ما يجب إصلاحه في ظل التغول والتشوهات المحيطة بها.
و يعمل المجمع على إحياء التراث العـربي والإسلامي، وتشجيع التأليف والترجمة والنشر في اللغة العربية وقضاياها، ووضع معاجم مصطلحات العلوم والآداب والفنون والسعي إلى توحيد المصطلحات بالتعاون مع المؤسسات التربوية والعلمية واللغوية والثقافية داخل المملكة وخارجها.
ويقوم المجمع بأنشطة وفعاليات، ومؤتمرات، وينشر أبحاثا، ويصدر مجلات كمجلة مجمع اللغة العربية الأردني والبيان العربي وغيرها، ويتعاون مع الجهات المعنية كافة لترسيخ اللغة.
ويشير السعودي إلى أن المجمع يصدر منشورات ودراسات وأبحاث في غاية الأهمية للنهوض باللغة العربية، فقد صدر مؤخرا كتاب «معجم لسان العرب الاقتصادي (إنجليزي- عربي)» لعالم الإقتصاد الأردني الدكتور عبدالرزاق بني هاني وكتاب نظم المعلومات الإدارية.
ويضيف أن مجمع اللغة العربية قام بتوقيع مذكرة لتطبيق حوسبة اللغة، وإيجاد حاضنة لرفع المستوى العربي على الشبكة الإلكترونية، واعتماد اللغة العربية في العلوم، بالإضافة الى وجود مجمع مدرسي الكتروني مشيرا الى هناك شراكة مع مبادرة «ض» في جميع أعمال المجمع.
ويشير د. السعودي إلى أن المجمع وبشكل دوري يعمل ورش عمل مجانية للأطفال من سن السابعة وحتى الثمانية عشرة في الخطابة والخط العربي، والشعر والرسم.
مبادرة ولي العهد
وفي ظل ما تمر به اللغة العربية من تراجع جاءت مبادرة «ض» التي أطلقها ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني بارقة أمل للنهوض باللغة العربية والحفاظ عليها، كمبادرة جديدة لمؤسسة ولي العهد، بهدف خلق نموذج فريد للشباب المؤمن بلغته، والساعي لإبراز هويته، والحريص على إحداث تأثير إيجابي فهي لغة القرآن الكريم ولغة السياسة والعلم والأدب.
والمبادرة جاءت تنفيذا لنهج ولي العهد الأمير الحسين بضرورة توحيد الجهود المبذولة تجاه اللغة العربيّة وتمكين الشباب ليكونوا سفراء عالميين للغة الأم، باستخدام التكنولوجيا الحديثة لإبراز مكانتها وجماليتها.
وفي هذا الصدد، يشير د. السعودي إلى أن مجمع اللغة العربية قام بتوقيع مذكرة تفاهم مع مؤسسة ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، للتعاون حول تنفيذ مبادرة «ض» للحفاظ على اللغة العربية، والعمل على تطوير تقنيات تمكينها رقمياً، وإثراء المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية.