ينفق الثلاثيني محمود مجدلاوي بين 120-150 دينارا في الشهر تقريباً من دخله على السجائر بمعدل علبتين الى ثلاث علب في اليوم.
محمود، وهو موظف، لا يستطيع تقليل حجم الانفاق على السجائر رغم محاولاته التخفيف من التدخين ويقول «جزء مهم من دخلي يذهب للتدخين على حساب مجالات انفاق أخرى متعددة».
حال الموظف محمود هو حال السواد الاعظم من الاردنيين فتكاد لا تجد أسرة أردنية الا وفيها فرد على أقل تقدير قد تورط بعادة التدخين وبات المدخنون ينفقون اموالا طائلة على السجائر.
وتتفق عبير رسمي وهي موظفة أيضا، في الرأي مع محمود فتقول: » المدخنون لا يلتفتون الى التكاليف المادية او الاعباء والمخاطر الاخرى التي تتجاوز تلك التكاليف فالأضرار التي تلحق بصحة المدخنين تحملهم كلفا علاجية أيضا تفوق انفاقهم على السجائر».
وتعتبر السجائر والتبغ في الأردن قطاعا بالغ الأهمية فالطلب المرتفع على هذه السلع يفوق طلب الأردنيين على السلع المهمة كالغذائية او حتى الترفيهية، فيصنف الأردن وفقا لمنظمة الصحة العالمية الاول عربيا والثالث عالميا من حيث نسب المدخنين.
ويعلل المحلل والكاتب الاقتصادي خالد الزبيدي ارتفاع انفاق الاردنيين على السجائر بالسبب المالي الضريبي مشيرا الى ان ارتفاع الضريبة عليها يمتص جزءا كبيرا من ميزانية الاسرة.
ويتابع الزبيدي ان الارتخاء في تطبيق القوانين وعدم تغليظ العقوبة على المدخنين في الاماكن العامة والمؤسسات يزيد من نسبة هذا الانفاق.
ويمثل التدخين تحدياً كبيراً من الناحية الإقتصادية في الأردن فقد أشارت نتائج مسح نفقات ودخل الأسرة 2018/2017 التي اعدتها دائرة الإحصاءات العامة والذي غطى عينة من الأسر بلغ حجمها حوالي 20 الف أسرة موزعة على كافة محافظات المملكة، إلى أن متوسط إنفاق الأسرة على السلع الغذائية وغير الغذائية والخدمات قد بلغ حوالي 12236.4 دينار, فيما بلغ انفاق الأسر على التبغ والسجائر حوالي 717.1 مليون دينار بنسبة 4.4% من مجموع الانفاق على السلع والخدمات, بينما تنفق الأسر ما نسبته (4.1%، 2.6%) على الخدمات الصحية والثقافة والترفيه على التوالي.
كما اشارت النتائج ان العلاقة طردية بين حجم الاسر وانفاق الفرد على التدخين فكلما زاد حجم الأسرة ارتفعت نسبة انفاق الفرد على التدخين، فالأسر التي يتراوح حجمها بين 1-2 فرد كانت نسبة انفاق الافراد بينهم 2.8%، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 4.1% في الأسر التي يتراوح حجمها بين 3-4 أفراد، وسجلت أعلى قيمة لها بين الأسر التي يتراوح حجمها بين 13-14 فردا لتبلغ 7.2%.
وعلى الرغم من أن المدخن يتحمل أعباءً مالية جراء شراء علبة السجائر إلا أن مسح نفقات ودخل الأسرة في الأردن لسنة 2017/2018يبين أن هناك ارتفاعا في نسبة الإنفاق على التدخين بين الأسر ذوي الدخل المحدود حيث بلغت 6.0% للذين يقل دخلهم عن 2500 دينار سنوياً، في حين كانت أقل نسبة في فئة الدخل للأسرة التي يزيد دخلها عن 25000 بنسبة 2.5%.
لا يقبل الاردنيون على السيجارة فحسب، فهناك الارجيلة التي ينشد اليها الكثير من الشابات والشبان حتى اصبحت عادة يومية أو ثقافة عند البعض بغض النظر عن كلفها المالية خصوصا وان الكثير ممن يدخن عدة اراجيل في اليوم نذكر منهم أنس هذا الشاب الاربعيني المنشد تماما للارجيلة حيث يصل معدل تدخينه لها بين 4 الى 6 «رؤوس» يوميا بكلف تتراوح بين 10 الى 15 دينارا فقط يدفعها على الارجيلة، ناهيك عن التدخين المتطور المتمثل بالسيجارة الالكترونية التي انتشرت بشكل واسع في السوق الاردنية وبين فئات الشباب فعلاوة على كلفتها المباشرة فانها تحتاج الى تغذية مستمرة من سوائل النيكوتين الى جانب اضرارها الجانبية.
وفي السياق ذاته افادت منظمة الصحة العالمية أن هناك صلة بين التبغ والفقر، إذ بيّنت دراسات عديدة أن أشد الأسر فقراً في بعض البلدان منخفضة الدخل تخصّص نحو 10% من مجمل نفقاتها لشراء التبغ، ممّا يعني أنه لا يبقى لتلك الأسر إلا القليل لتنفقه على الإحتياجات الأساسية كالغذاء والتعليم والرعاية الصحية, ويؤدي التبغ أيضا إلى سوء التغذية والمزيد من التكاليف المرتبطة بالرعاية الصحية وإلى الوفاة في سن مبكرة.
ويرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن الأردنيين ينفقون على السجائر ما يعادل انفاقهم على التعليم تقريبا , فحسب التقارير الصادرة من دائرة الاحصاءات في ما يتعلق بالاسر الاردنية فإن انفاقهم على السجائر يقدر بحوالي 4.4 %.
ويتابع أن هذا الرقم يضعنا أمام مشكلة الإنفاق على التبغ والسجائر وبين الإنفاق على التعليم او الاساسيات الاخرى في مجتمع ينبغي ان يكون التعليم أولوية, فالمدخنون انفقوا على التدخين اكثر من انفاقهم على الاساسيات او حتى على الرفاهية.
وهذا ما جاءت به نتائج الاحصاءات العامة لتبين أن الأسرة الأردنية تنفق 1.50 دينار على التدخين يومياً، بينما كان متوسط الإنفاق على الخدمات الصحية 1.38 دينار يومياً و1.60 دينار يومياً على التعليم.
ويعود عايش ليؤكد ان الانفاق على التدخين يتبعه كلفا مباشرة وغير مباشرة تتجاوز 560 مليون دينار بالاضافة الى الكلف المترتبة على السجائر كالكلف التي لها علاقة بالحرائق او كلف لها علاقة بعائدات تؤثر على البعض ككلف العلاج من الامراض التي يسببها التدخين.
وينتقد اعتبار الحكومة السجائر احد اهم مصادر الايرادات العائدة لها والتي تقارب حوالي 80% من سعر بيعه للمستهلك فوصلت هذه الايرادات الى ما يزيد عن 600 مليون سنويا.
ويشير عايش إلى ان الضريبة المفروضة على السجائر ادت الى تفاقم مشكلة التهريب الذي قدره البعض انه يتجاوز 50-60 % وهذا يؤدي الى خسارة الخزينة حسب ما يقدره البعض بحوالي نفس القيمة او اكثر كعائد للاستهلاك.
ويتابع تأكيده أن على الحكومة ان تعمل قدر الامكان على وضع خطة لا تعتمد الايرادات الضريبية فيها على السجائر ولا تؤثر في موازنتها.
يذكر ان توزيع نسبة الإنفاق على التدخين يتباين حسب المحافظات، فاحتلت محافظة الطفيلة أعلى قيمة بنسبة 6.4% تلتها محافظة الكرك والعقبة ومحافظة جرش(6.1%، 6.0% و5.6% على التوالي), فيما سجلت محافظة العاصمة أقل نسبة إنفاق على التدخين حيث بلغت 3.8%.
وتتناول دراسات عالمية أثر التدخين على الاقتصاد، ففي دراسة اعدت بالتعاون مع المعهد الوطني الأميركي للسرطان بينت ان التدخين يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنويا، كما تفوق تكلفة التدخين بكثير الإيرادات العالمية للضرائب على التبغ والتي قدرتها منظمة الصحة العالمية بنحو 269 مليار دولار في عامي 2013 و2014.