أنا لا أنتمي لهذا المكان... هكذا ظننت في البداية!
في البداية شعرت أن الوحدة تكمن داخل سياج الجامعة، وخصوصاً داخل سياج كلية التربية الرياضية. المشكلة ليست بصعوبتها أو ضغوطاتها، وإنما بانفرادي وانعزالي ووحدتي بسيري، وانعكاسي عن الآخرين...
ظننت للوهلة الأولى أن أحداً ممن حولي لن يفكّر مثلي..
ها أنا أجلس تحت الشجرة، بيدي كتاب وبجانبي كوب قهوة، أقرأ بعض السطور وأغوص في المفردات والخيال، وأحتسي قهوتي الساخنة!
نظرت حولي؛ لم أجد أحداً يفعل ما أفعل..
جميعهم يتنقلون من مكان إلى مكان وبيدهم كرة قدم أو طائرة، وهناك اثنان يمسكان مضرباً ليلعبا ألعاب المضرب!
شعرت أنني لا أنتمي لهذا المكان، لطالما حلمت بالقانون والمحاماة وبالزيّ الأسود؛ الزيّ الذي يدلّ لونه على السيادة وتحقيق العدل، حلمت بمستقبل بطعم لذيذ، وأنا الآن أتذوق مرارة الواقع!
شعرت كثيراً أنني جائعة للكتابة، ولكن الأبجدية تنأى عني إن أمسكت القلم!
حاولت إشباع روحي بالكتابة، إلا أنني أُصبت بالتقيؤ وأنا أحاول تفريغ كلماتي على أوراقي!
رغم كل هذا إلا أنني كتبت، ظناً مني بأن الكتابة تواسي وحشتي، فاكتشفت أنني أطبطب فقط، وأتقوقع حول نفسي. سئمت من أن أتجسّد في شخصية غير شخصيتي؛ الشخصية الكئيبة!
بجانبي للتوّ مجموعة من البنات يتناقشن حول لعبة تنافسية ترفيهية للاعبي كرة القدم وكرة الطائرة، يختلفن في ما بينهن، إحداهن تريد مشاهدة كرة الطائرة لأنها معجبة بلاعب الطائرة، والأخرى تريد مشاهدة كرة القدم لأنها تحب مشاهدتها، بينما أنا في هذه اللحظة أتناقش مع عقلي لأجد حلّاً مَع من سأقضي الساعة المتبقية، وأيّ كتاب سوف أشتري عندما أغادر المكان، كوني أنهيت كتاب «فتاة القطار».
سرتُ هاربة من نقاشاتهم، وإذ بي بمجموعةٍ يلتقطونَ الصور وضحكاتهم تتعالى تحت الأشجار، يهددون بعضهم بعضاً بصورهم المضحكة، يتقاسمون قِطع الشوكلاته، ويلتقطون الصور العشوائية والمضحكة، وكان أكبر همي أن لا أظهر في عدستهم.
اليوم أيقنت أن الحياة جميلة، وجميلة جداً، وكلّيتي جميلة أيضاً، ومحقّ من قال إن الحياة الجامعية من أجمل مراحل العمر، ولكن كل هذا بوجود الأصدقاء، وإن جمالها يكمن في حب التخصص ومعرفة مزاياه والاطلاع والتعمق به. أنا لم أكن أكره الذهاب إلى الجامعة. على العكس! ولكني أكره وحدتي هناك وعودتي الحزينة. أيقنت يا الله أني مَن أردت أن أكون هكذا بهذه المرحلة.. وأنني السبب لكوني وحيدة، عندما أنكرت النِّعَم ولم أشكرك..
يئست من عجزي هذا، ومن كوني مثقلة بهموم أنا مَن زرعها في روحي المرحة، عندما ظننتُ أن حياتي تتمحور حول القانون والمحاماة!
لا يوجد مكان لا ننتمي إليه. نحن ننتمي لكل مكان أرسلنا الله إليه. أصبحت أؤمن كثيراً بأننا لو لم نكن على قدر المسؤولية لَما وضع الله فينا رغبة الوصول إليه!
ها أنا اليوم، لدي الكثير من الأصدقاء، ولا أريد أن تأتي لحظة التخرج؛ لشغفي وحبي وانتظاري لأيام الدوام، وكم أكره فكرة أن أتغيب وأغيب عن المحاضرات، وكم أحب أيضاً لحظات الطيش مع صديقاتي عندما نتغيّب عن المحاضرات لنتسكع معاً في أحد الأماكن الجميلة!
لا أفوّت المباريات لكل اللاعبين، وأحب ممارسة الرياضة كل يوم، وأتبع نظاماً غذائياً معيناً، لأحافظ على رشاقتي وأكون نموذجاً لتخصصي، كما أنني آخر من يغادر الكلية وأول القادمين إليها.
تأتينا السعادة عندما نشكر الله على اختياراته، عندما نؤمن إيماناً مطْلقاً بأن الخيرة في ما اختاره الله لنا.