الحلقة 212
من طبيعة الانسان ،نسيان اغلب ما يمر على حياته من مثيرات وحواس ، ربما كانت تدغدغ مشاعره وابداعاته او شكلت شخصيته العاطفية او الانسانية والحضارية .
..و الغناء العربى الحديث و القديم ، تكون من استعراض وأداء ألحان مختلفة ومقامات موسيقية تنوعت عبر شخصيات الغناء العربي ورموزه في مجالات الغناء والتلحين والتوزيع والموشحات ومختلف الاشكال الموسيقية الشرقية والعربية الاسلامية.
ان البحث في المنسي من تراث الاغنية العربي ، هو نبش في القوالب الغنائية القديمة، التي باتت مع جهود مبدعيها منسية الى حد ما .
الباحث والكاتب «زياد عساف« ظل يقلب ما نسي من الرموز والاغاني والحكايات وخص « ابواب - الراي « بثمرات جهودة التي تنشرها منجمة كل ثلاثاء في هذا المكان من الملحق حيث سيتم طباعته على اجزاء في القاهرة. لقد ارتقى الغناء العربي مع ظهور الحركة القومية العربية فى مواجهة الثقافة التركية السائدة على يد الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب وعبده الحامولى ومحمد عثمان ، ، عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وطروب وفيروز وام كلثوم كما لحن وابدع جماليات حياتنا وفنوننا امثال: سلامة حجازى وابراهيم القبانى وداود حسنى وأبو العلا محمد وسيد الصفتي محمدالقصبجى وسيد درويش وزكريا أحمد ومحمود صبح ومحمد عبد الوهاب،ورياض البندك وجميل العاص ومحمد القبنجي وغيرهم كثر.
عبد العزيز سلَّام.. شاعر الأغنية السينمائية
بكرمه الحاتمي المعروف وجه له فريد الأطرش دعوة على العشاء في منزله بمناسبة الإنتهاء من تصوير احد أفلامه، وفي طريقهما للمنزل توارد لخاطر فريد فكرة لحن وأخذ يضغط على منبه أو زامور السيارة مصدراً نغمات تتوافق مع اللحن الذي داعب خياله فجأة، والتفت للضيف الشاعر الذي يجلس بجانبه متسائلاً: تقدر توضع كلمات على اللحن ده؟ تحمس للفكرة وعلى امتداد الطريق ظل فريد يصدر اللحن بصوت زامور السيارة وشاعرنا يكتب الكلمات التي راّها تنسجم مع لحن صاحب العزومة، وما ان وصلا للمنزل حتى كانت الأغنية جاهزة، إلا انه كان له رجاء خاص بأن لاينسب كلمات الأغنية باسمه لأنه كان يعتبرها دعابة ليس أكثر، إلا ان فريد بقي مصراً على ذلك، وظهرت هذه الأغنية للناس بعنوان «وياك « وحققت نجاحاً مدوياً ليس على مستوى عربي فحسب وإنما أصبحت أغنية عالمية بعد أن تُرْجِمَتْ و غُنِّيِت باللغة الفرنسية و الروسية.
قدم الأطرش هذا العمل بفيلم « لحن الخلود « 1952وخُلِّدَ هذا اللحن كما خُلِّدِ مؤديه، إلا أن مؤلفها عبد العزيز سلَّام لم يسمع به الا القليل بالرغم من مئات الأعمال التي كتبها ولمعظم المطربين المصريين والعرب بمستوى هذه الأغنية بل وأجمل.
حي الوردان ..
لا خلاف حول ان الأضواء و الشهرة خاصمت عبد العزيز سلّام، إلا أنه وكما يبدو ساهم بذلك كونه لا يحب الظهور ويكتفي بتقديم أعماله بأصوات مشاهير الغناء، وكل ما يعرف عن مسيرته على الصعيد الفني والإنساني يعتبر قليلاً قياساً بتجربته وروعة و جمال الأغاني التي نظمها، اطلعنا على نبذة من تاريخ حياته على لسان إبنه الوحيد الذي يعمل بمهنة المحاماة وهو المستشار أحمد عبد العزيز سلّام بما صرح به للصحافة عن مشوار حياة والده، بالإضافة لبعض المعلومات التي سردها أصدقاء له مثل الشاعر ابراهيم عبد الرزاق وغيره ممن تربطه بهم علاقة المودة والزمالة في الوسط الفني.
المعروف عن سيرته الذاتية أنه مواليد حي الوردان بمحافظة الجيزة عام 1915 وحصل على دبلوم دار العلوم عام 1940، عمل في بداية حياته العملية مدرساً لمادة اللغة العربية ولم يدم طويلاً بهذا المجال، ليتفرغ للعمل بالصحافة، وترقى بعمله حتى أصبح رئيساً لتحرير مجلة « فن السينما « و « مجلة المساحة « و « مجلة العروبة « 1948 و التي انشأها محمد علي الحرماني 1935 ، وهي مجلة اسبوعية صدرت بداية الأمر بإسم « منتصف الليل»، وكان يجد نفسه بالعمل بهذه المجلة « العروبة « وتفرغ لها لأسباب كثيرة، أهمها أنه كان مؤمناً بالإهداف التي تسعى اليها كتبنيها لترسيخ الحقيقة و سعيها لوقوف العاملين بالمهجر على قضايا بلادهم الى جانب اهتمامها بنقد الأدب.
عن طقوسه في الكتابة وكما جاء على لسان ابنه المستشار احمد بأنه اعتاد الإستيقاظ والنوم باكراً، بالإضافة لجلوسه في جو هادئ وبعيداً عن الضوضاء و كان مثالاً للأب والزوج العطوف الى جانب إخلاصه وتفانيه في عمله، منزله في حي الشواربي ظل ملتقىً للأحبة و الأصدقاء وصالون ثقافي يقام به ندوة شهرية تضم معارفه و محبيه من داخل الوسط الفني و خارجه، ومنهم نيازي مصطفى و حسين السيد و مأمون الشناوي والمستشار محمود لطفي، وبنفس الوقت كان عبد العزيز سلًام يعتبر بمثابة الأب الروحي لمجموعة من الفنانين الذين اعتادوا ان يزوروه في بيته مثل ميرفت امين و حياة قنديل وليلى حمادة و هاني شاكر.
بياعة اليانصيب ..
لم يتوقف عطاء و وموهبة عبد العزيز سلام عند تميُّزِهِ بالعمل الصحفي وكتابة الأغاني، وإنما كانت له صولات وجولات في عالم السينما وارتبط باسمه ما يقارب الخمسين فيلماً كمؤلف وكاتب قصة وسيناريو وحوار بالإضافة للأغنيات التي نظمها ووظفها ضمن السيناريو المعد لهذا الفيلم أو ذاك، إلا انه تارة ماتكون مشاركته ككاتب قصة او السيناريو أو الحوار على انفراد، أو يقوم بكل ذلك ضمن الفيلم الواحد، وفي بعض هذه الأفلام اقتصر حضورة كمؤلف لأغاني الفيلم وبمشاركة كتاب اغاني آخرين بنفس العمل أحياناً.
من الأعمال السينمائية التي ارتبط اسمه بها بصفته كاتب للقصة و السيناريو و الحوار، ابتدأها بفيلم بياعة اليانصيب 1947 ، المتشردة 1947 ، القاتل 1948 ، الدنيا حلوة 1951 ، سيجارة و كاس 1955 ، احلام البنات 1959 ، شاطئ الحب 1961، عنتر يغزو الصحراء 1960 ، في طريقي رجل 1967، بنات اخر زمن 1973 ،عندما يغني الحب 1973 ، فاتنة الصحراء 1974 ، بنات للحب 1974 ، قلوب في بحر الدموع 1978 ، عروسة و جوز عرسان 1982.
وضع عبد العزيز سلَّام القصة و السيناريو لبضعة أفلام منها شباب اليوم 1958 ، لقاء الغرباء 1968 ، بالإضافة لقصة وحوار 3 فتيات مراهقات 1973 ، وأوكل له النجم حسين صدقي لكتابة حوار فيلم ” خالد بن الوليد ” 1958 ،وكذلك كتب قصة فيلم غلطة العمر 1953 ، وفي عام 1954 انفرد عبد العزيز بكتابة قصة فيلم « بنت الجيران « بطولة شادية و الفنان فؤاد المهندس وكان هذا الفيلم أول ظهورللمهندس كممثل على الشاشة الكبيرة.
اما الأعمال التي قدمها ككاتب لسيناريو و حوار لأفلام وضع قصتها مؤلفين اّخرين نذكر منها فيلم الكل يغني 1947 ،انا الماضي 1951 ، الحب االمكروه 1953 دكتور بالعافية 1953، خليك مع الله 1958 ، حبيب حياتي 1958 ، عنتر بن شداد 1961 ، انا العدالة 1961، الجريمة الضاحكة 1963، الملعون 1968، الطريد 1968، همسة الشيطان 1969
السينما الغنائية
واكب عبد العزيز سلَّام السينما الغنائية والإستعراضية منذ بداية اربعينات القرن الماضي وتولى مهمة كتابة أغاني لهذه الأفلام ومن بينها، فتاة متمردة 1940، احب الغلط 1942، على مسرح الحياة 1942، حب من السماء 1943، ماجدة 1943، شارع محمد علي 1944، ابنتي 1944، ليلة الجمعة 1945، اول الشهر 1945، حسن و حسن 1945، ملاك الرحمة 1946، غرام الشيوخ 1946، مجد و دموع 1946، قبلني يا ابي 1947، الكل يغني 1947، عدل السماء 1948، الروح و الجسد 1948، هدى 1949، ولدي 1949، احبك انت 1949، دكتور بالعافية 1953، غلطة العمر 1953، احلام البنات 1959، لن اعود 1959، ثلاثة رجال و امرأة.
وبالعودة لسجل أعماله توجد له مجموعة أفلام أُنيط إليه كتابة الحوار وتأليف الأغاني معاً مثل، ولدي 1949، كرسي الاعتراف 1949، صاحبة الملاليم 1949، حياتي انت 1952، الدم يحن 1952، انتصار الاسلام 1952، المساكين 1952، فاعل خير 1953، بيت الطاعة 1953، تحيا الرجالة 1954، الشيخ حسن 1954، سيجارة وكاس 1955، ازاي انساك 1956، صراع مع الحياة 1957، اسماعيل ياسين للبيع 1958، ماليش غيرك 1958، سامحني 1960، اسماعيل ياسين في السجن 1961، هذا الرجل احبه 1962، تفاحة ادم 1966، احترس نحن المجانين 1978.
امتياز
امتاز عبد العزيز سلّام برهافة حس و شاعرية لا تخف على كل من يتأمل كلماته المغناة والتي أبدعها كبار ملحني الصف الأول في مصر أمثال رياض السنباطي، محمد الموجي، محمد فوزي، بليغ حمدي، احمد صدقي، محمود الشريف، سيد مكاوي، كمال الطويل، عبد العظيم محمد، منير مراد و مدحت عاصم، وتعاون مع مجموعة من ملحني الصف الثاني ومنهم عزت الجاهلي، عبد العظيم عبد الحق، مرسي الحريري، عبد الرؤوف عيسى، فؤاد حلمي، محمد صادق، عبد الحميد توفيق زكي و علي فراج، ومن الدول العربية لحن له كل من فريد غصن والمطربة و الملحنة نادرة أمين.
المديح و الثناء لعبد العزيز سلام كشاعر غنائي لن يفيه حقه، ونترك للقارئ تقييم هذه التجربة من خلال عرض أجمل الأغاني التي استمتعنا بها بأصوات أشهر المطربين و على مدار عقود ولم نتوقف عند من أبدع هذه الأعمال شعراً.
من المحطات التي تستوقفنا في مشواره الفني الأغاني التي نظمها للموسيقار فريد الأطرش نظراً للصداقة التي تربط بينهما بحيث كان هو الأقدر على ان يترجم وبكلمات أغانيه المواقف الأنسانية التي عاشها فريد، مثل وفاة شقيقته أسمهان أو قصة حبه لسامية جمال وغير ذلك من تجارب تعكس حلو الحياة و مرها لدى امير العود، وهذا ما تطرقنا له سابقاً في هذا البحث « المنسي في الغناء العربي «، بأن العلاقات الانسانية بين المؤلف والمغني تحديداً أفرزت أجمل الأغاني العربية وهذا ما نفتقده الاّن، ولدرجة أنه لو افترضنا اننا حذفنا أغاني فريد التي نظمها سلَّام لاعتبرت تجربة الأطرش كمطرب ناقصة ولحرمنا من أغنيات رائعة أبدعها له عبد العزيز ومنها، قدام عنيا، كفاية يا عين، خدي قلبي، مخاصمك يا قلبي، قسمة مكتوبة، بقى عايز تنساني، جرى ايه يا عزالنا، حبيب القلب من جوه، ليه انا بحبك، عيني بتضحك و قلبي بيبكي، يفيد بإيه الأنين، مين يعرف، يا فرحة المية، ان حبتني احبك اكتر، كرهت حبك، يا حبيبي طال غيابك و يا فرحة الميَّة.
داري العيون..
من أهم الأصوات العربية والمصرية التي تغنت بكلمات و أشعار عبد العزيز سلَّام نستعرض منهم المطربة صباح وغنت من كلماته، «أحبك ياني»، «بيحبني و بحبه»، « توب يا قلبي «، « راحت ليالي»، « علي يا علي «، « يا قريب من قلبي» ، « شهرزاد « اديني ميعاد « ، محرم فؤاد « يا واحشني رد عليا»،
قدم للفنانة هدى سلطان مجموعة اغنيات منها أغنيتها الشهيرة « يا ضاربين الودع « و « ان كان ع القلب «، « اجري يا عمري «، « ح اقابله تاني «، « يا ريت يا بكره «، « حبيبي في الهوا كلمة»، «دور على قلبي « ، « نسيتك زي ما نسيتني»، « القلب ويا العين»، « اّه م الهوا و الكاس»، «استعراض النغم « و « استعراض جنة العشاق، ننجاة الصغيرة» وحياتك عندي» و « قلبك يا قلبك»، سعاد محمد ”والله وعرفت تحب يا قلبي“، محمد عبد المطلب» اعطف يا جميل»، نور الهدى» الدنيا دي انا لغاها»، « يا ساعة بالوقت اجري»، « طير بالعجل»، رجاء عبده» هاتي الدموع يا عين»، « اجري ورايا»، « مظلومة»، « وحياة حبك»، «عزم حبيبي على الرحيل»، « محلا السهر ع النيل» و» عنيك اسرار».
« داري العيون « واحدة من أجمل أغاني الموسيقار محمد فوزي والتي خطَّها سلام بقلمه و إحساسه وأغنيات شدى بها فوزي من كلماته ومنها ” من نظرة عين ” ، « ابتسمي للدنيا»، «الغيرة ليه»، « قلبي بينادي عليكي»، دويتو» أحن قلب» مع المطربة نازك و دويتو « انا مش حلوة» مع نور الهدى، في بداية الثمانينات من القرن الماضي غنت له وردة الجزائرية ” يا حبيبي بحبك صدقني” وقبل ذلك خصها بها أغنية ” كان لازم اكرهك.
التلفزيون ..
وتستمر قافلة المطربين الذين أتحفونا بصوتهم وهم يتغنون بكلماته، أمثال نادية فهمي بأغنية» أهون عليك»، نازك « كل دقة في قلبي»، « ماليش في الدنيا غير قلبي» و « يبقى الحق عليك»، أميرة سالم « ياليلة بيضا»، عصمت عبد العليم « في عنيا فرحة»، برلنتي حسن « يا ليل كل شيء فيك جميل»، « علشان انت مهنيني»، نجاة علي « ابني حبيبي « و « كل يوم بيقوللي بكره»، نادرة أمين» غني معايا يا موج البحر»، ابراهيم حمودة « مظلوم وحياتك انتي»، احلام « صدقت كلام عزالي»، سيد اسماعيل « هون يا كريم»، جلال فكري « لو طال غيابك»، عبد الفتاح راشد « قالتلي و قلتلها»، سعاد مكاوي” ” بقالك مدة ماسألتش”، ” ح تروق و تحلى” ، ” على دقة المزاهر” و”وحشاني عنيك ”.
المتتبع لأرشيف الغناء في مصر يجد ان كتاب الأغاني المتميزين لم يتركوا موضوعاً لم يتطرقوا له وعلى كافة الصعد منها الاجتماعي والإنساني والوطني وهذه تعبر ميِّزة تفوقت بها الأغنية المصرية العربية على دول العالم ، ويحسب لعبد العزيز سلام بتقديمه لهذا النوع من الأعمال و لم ينس ان يشيد بالدور الحضاري و الثقافي الذي أخذ يقوم به التلفزيون المصري مع بداية ظهوره في الستينات وخص له من كلماته أغنية ” التلفزيون” من الحان عبد العظيم محمد وغناء الثلاثي المرح وكانت في مقدمة فيلم ” صغيرة على الحب ” 1966 من بطولة سعاد حسني و رشدي أباظة.
يا نور جديد ..
التكريم الذي حصل عليه عبد العزيز سلّام المتوفي عام 1984، إقتصر على جائزة الإستحقاق للعلوم والفنون مع ان أي مبدع بمستواه يستحق أفضل من ذلك لما خلفه من بصمات خاصة لمسناها على الصعيد الإبداعي او الإداري، فبعد ان اطلعنا على ما كتبه من أغنيات تميزت من الحيث الكم و النوع، الا انه يشهد له في مساهمته بتأسيس جمعية المؤلفين و الملحنين برفقة الموسيقار محمد فوزي والشعراء مصطفى عبد الرحمن و يوسف بدروس و عبد الفتاح مصطفى و ابراهيم عبد الرزاق .
كان عبد العزيز أيضاً سباقاً بأنه أول من كتب أغنية خاصة بعيد الميلاد وهي « يا نورجديد» والتي غناها محمد فوزي لمديحة يسري بفيلم « نهاية قصة « 1951، ومما يحسب له أيضاً أن اثنتين من أغنياته وهما « يا جميل يا جميل « و « وياك « التي تطرقنا لها في البداية قد وصلتا للعالمية و تم غناؤهما في بلاد اجنبية بعد ترجمتهما للغات البلاد الذين تغنوا بهذين اللحنين.
دخلت مره في جنينة..
أما الإنجاز الأهم أن كتابته للقصة و السيناريو و الحوار انعكست على معظم أغانيه التي برزت بها هذه العناصر وتخللها الحوار والحكايات بالإضافة لأغنيات وظف في كل منها سيناريو جميل كانت النتيجة لهذا اللون من الأغاني ان ساهمت بإحداث نقلة نوعية في عالم الغناء و الطرب، حتى غدت هذه الحالة ميزة للأغنية العربية أيضاً والتي قام بها عبد العزيز سلَّام ومجموعة من المبدعين الذين على شاكلته وجمعوا بين تأليف الأغاني وكتابة القصة و السيناريو والحوار لمجموعة من الأفلام مثل بديع خيري وابو السعود الإبياري و جليل البنداري وعبد الفتاح مصطفى.
” دخلت مرة في جنينة ” واحدة من أهم الأغنيات العربية التي جاءت على شكل حكاية أو قصة و أبدعها شاعرنا عبد العزيز سلام وغناء المطربة أسمهان و ألحان مدحت عاصم ، ولنتأمل معاً كلمات الأغنية و كيف وظف شاعرنا خبرته في مجال كتابة القصة بهذه العمل، تقول كلمات الأغنية ” دخلت مرة في جنينة.. أشم ريحة الزهور.. واهني نفسي الحزينة.. واسمع نشيد الطيور.. بصيت لقيت ع الغصون.. بلبل وياه وليفته.. واقف معاها بسكون.. انا فرحت لما شفته”.
وينطبق هذا على أغاني كثيرة لعبد العزيز سلام وللننظر كيف وظف خبرته بالحوار بأغنية ” يا سلام على حبي و حبك ” على سبيل المثال لفريد و شادية من فيلم ” انت حبيبي ” 1957 بالإضافة لأغنيات جميلة من نظمه والتي جاءت على شكل قصة منها ” أدي المعاد قرب” محمد فوزي ، ”يا ساعة بالوقت اجري ” لنور الهدى ولاننسى جمال الصورة في أغنية ” دايماً معاك” لفريد خاصة وهو يغني ” في مغناطيس بطلعتك.. تملِّي يجذبني لبهاك.. تطردني من باب جنتك.. تلقاني جتلك من الشباك!”
البحر بيضحك ليه ..
الشاعر الغنائي و الكاتب بديع خيري واحد من أهم المبدعين الذين وظفوا أيضاً خبرتهم في مجال القصة والسيناريو والحوار في مجموعة من أغانيه ، وأي قصة مغناة بجمال أغنية ” الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية ” و ” البحر بيضحك ليه ” و ” حرج علي بابا ” التي تغنى بها سيد درويش من كلمات بديع خيري ، ولاننسى أيضاً الكاتب و السيناريست ومؤلف الأغاني ابو السعود الأبياري والذي أمتعنا من كلماته بأغنيات من هذا القبيل ومنها ” البوسطجية اشتكوا ” لرجاء عبده و ” قالوا البياض أحلى ولا السمار أحلى ” سعاد مكاوي و ” سلم علي ” لليلى مراد ، وهذا ما ينطبق على جليل البنداري ونستذكر رائعته ” تمر حنه ” والتي قدمها لفايزة احمد بشكل حكاية من فيلم يحمل عنوان الأغنية ” تمر حنه ” 1957 بطولة نعيمه عاكف و رشدي أباظة .
«رصة» القلل
الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى كان له تجارب مهمة في كتابة القصة والحوار والسيناريو لمجموعة من الأفلام و المسلسلات التلفزيونية ، ولنتمعن كيف برزت هذه العناصر في الأغاني التي نظمها ومنها ” لسه فاكر“ لأم كلثوم و ” رصه القلل ” حورية حسن و جمال الحكاية بصوت محمد قنديل وهو يرويها غناءاً ” سحب رمشه و رد الباب.. كحيل الاهداب.. نسيت اعمل لقلبي حجاب!“.
مختصر الكلام ولكل من يسأل عن سبب تراجع الأغنية العربية، تؤكد هذه التجارب ان من أهم هذه الأسباب غياب مبدعون على شاكلة هؤلاء وبالتالي إفتقدنا الصورة والحكاية والسيناريو في أغانينا العربية، ويظل يأخذنا الحنين لهذه الأعمال الخالدة والأمثلة كثيرة بالإضافة لما ذكرنا لاننسى رائعة عبد العزيز سلام والتي لحنها محمد الموجي لفايزة احمد:
” من بدري وانا واقفة مستنية اشوفك
وببص على العطفة يمكن المح طبفك
وتعبت من الوقفة وانت تغيب على كيفك
يا شاغلني وياك م الباب للشباك
لكن مش شايفاك من باب ولا شباك ”