في وقت ليس بالبعيد، سيقال أن وداد قعوار هي من بين قلّة المثقفين الرواد الذين حفظوا لبلاد الشام عموماً، وللأردن وفلسطين تحديداً، أنها وحّدة اجتماعية قبل وبعد أن تتجزأ جغرافياً.
أُدْخل دارتها التي هي بيت ومتحف في آن، وسيحيط بك وقار التاريخ الاجتماعي الذي تخشى هي، ونحن أيضا، عليه من الضياع الوشيك. فيهما معاً يستطيع الذين عمرهم فوق الأربعين سنة أن يستحضروا أوجاعهم وأحلامهم وذكريات «تلك الأيام» التي كانت فيها النساء يزدهين بالثوب المطرز ويمتلكن شحنة الرضا التي تجعل الواحدة منهن تُحرك كمّها الواسع بتلويحة مطرّزة بألوان الشمس والحرير.
بوركت أم أمين وأطال الله في عمرها. فقد وثقّت بالقماشة والغرزة والخلخال، للفروقات الأنيسة بين نساء إربد والرمثا، وبين نساء بيت لحم وسهل ابن عامر وبير السبع.
وداد قعوار التي حفظت لنا الذاكرة الجمالية في مواجهة موجات التتار مختلفة الأسماء، عرّفت العالم على أن في البلاد التي تعيش الآن حروباً على الإرهاب والتجزئة، هي نفسها البلدان التي أعطت للوحدة الثقافية لونها وطعمها المزروعين عميقاً بالأرض.
أم أمين يُرعبها أن ترى كيف أن الأجيال الجديدة تبحث في غوغل عن خصوصياتها، وقلما يقال لها أن غرزة أثواب جداتهم تكفي وتزيد، لمن يمتلك رفاهية التوقّف قليلاً والتلفت خلفه ومن حوله.
لا يقلق وداد قعوار ان ما تعبت عليه وجمعته من موروث الأثواب في بلاد الشام وحتى اليمن، يمكن أن يضيع بعدها. لكننا نحن قلقون على ذلك.
أثواب الرمثا ودرعا تقريباً تتشابه ويسمى الثوب الحوراني
وأنت توثقين للتراث في بلاد الشام عموما ، أين وصلت في موضوع الحطة: من أين جاء، ومتى ، هذا التمييز في ألوان الحطة الرجالية على طرفي النهر؟
ما سمعته أن أكثر الحطات المستعملة في كل بلاد الشام هي في اللونين الأبيض والأسود أو الأبيض السادة.. بدأت عند البدو وأصبحت موجودة في القرى والمدن.
كما هو معروف في قدوم جون كلوب إلى الأردن قام بعمل ما يميز بين مرتدي الحطة من أفراد الجيش وبين بقية الناس، فأرسل لمصنع في مانشستر في بلاد الانجليز لتصميم نفس الحطة، ولكن باللونين الأحمر والأبيض، معتقدا أن هذا سيساعده للتمييز بين العسكري والمدني، لكن المدنيين لم يعيروه أي اهتمام. الا انه لحق كل الشباب في الأردن والبلاد العربية الحطة باللونين الأحمر والأبيض، وأصبحوا يلبسونها، وبقيت مميزة في الأردن بهذين اللونين لأنها بدأت فيهما، ولغاية الآن يلبس الرجال عندنا الحطة بالأحمر والأبيض، إلا انها في فلسطين بقيت كما كانت عليه في الماضي بالأسود والأبيض دون أي تغيير.
كيف نميز بين الثوبين السلطي والمعاني مثلا؟
بالنسبة للألوان تختلف كثيراً. فالثوب السلطي دائماً لونه أسود، أما الثوب المعاني فهو الثوب الأردني الوحيد الذين يضعون فيه كل الألوان التي يحصلون عليها، لأن من كانوا يأتون من الحج كانوا يجلبون معهم شقفاً من الحرير لبيعها، وكان يأتي إلى معان حيث تحصل عليه المرأة المعانية، فتضع الحرير السوري مع بعضه البعض وتصنع منه ثوباً, فالثوب المعاني به ألوان كثيرة، وأيضاً المخدات التي يصنعها أهل معان تكون ملونة، فالمرأة في معان تحب أن تستعمل الألوان، لكن بقية المحافظات في الأردن يستعملون فقط اللون الأسود.
كم نوع من الأثواب التراثية يمكن تصنيفها في الموروثين الفلسطيني والشرق أردني؟
الرمثا ودرعا تقريباً يتشابهان، فالرمثا ودرعا وجنوبي سورية وشمال فلسطين جميعهم مثل بعضهم، ويسمى الثوب الحوراني..
في الغور يوجد تشابه، فمثلاً لو أخذنا الثوب في أريحا والثوب في الغور المقابل لمنطقة أريحا فنجدها نفس الشيء، التطريز يكون على شكل أقلام في الطول، وهي متشابهة، لكن باقي الثوب يختلف كثيراً.
قصة الثوب الأردني جميلة ومريحة، بينما نجد الثوب الفلسطيني به قصّات أكثر، وتطريز أكثر. الثوبان يختلفان في الأقمشة وفي التطريز وفي القطبة واللون.
وماذا عن غطاء الوجه بالنسبة للمرأة على طرفي نهر الأردن .. ما أصله وتجلياته؟ هل له علاقة تاريخية بالراهبات؟
في هذه المناطق لم تكن المرأة تغطي وجهها إلا في صحراء سيناء وهي منطقة بئر السبع ورفح، بدو سيناء، حيث كانت النساء يلبسن البرقع ويغطين وجهوههن. ومن كانت تغطي وجهها المرأة في المدنية، لكن المرأة القروية لم تكن تفعل ذلك.
الخلخال؟
استغربت أنني وجدته في الهند وأوزباكستان وخرسان وأفغانستان ومصر والعراق. قليل ما نجد شيئا لبلد عربي لوحده. نجده ممتد قليلاً لأن البلاد العربية كان بها الكثير من التداخل في الملابس والفضة والنسيج والبسط وكل هذه الأمور.
أفضل بلد عربي في نسيج البُسط هي الأردن، لأن لديها الصوف الممتاز، فكل مرأة كان عليها أن تجهز البُسط لبيتها والفخار والقش والأواني للمطبخ. الأردن لم يشتهر بالحرير والملابس. كل ذلك كان يأتي من سورية، لكن كما قلت اشتهرت الأردن بالبسط والغزل والنسيج.
أين تكمن الرسالة الانثوية الوجدانية في الثوب؟ هل هي في توزعة الألوان أم في تلويحة الكم الطويل أثناء المشي والرقص؟
في الصدر والقبّه والكُمْ، فدائماً يكون التطريز في هذه الأماكن. وأيضاً كانت السيدات يقمن بتطريز الثوب من الأسفل، فعندما تمشي نجد بأن التطريز يتحرك.
استراحة
أفضل بلد عربي في نسيج البُسط هي الأردن، لأن لديها الصوف الممتاز
عمان مدينة الحجر والسلام
تشتمل مجموعة قعوار على أثواب ومطرزات وسجّاد من الأردن وفلسطين، كان نواتها ثوبَان من بيت لحم ورام الله، لتكبر الفكرة في بالها، وتبدأ جمع الملابس التقليدية والمعلومات التوثيقية حول الأثواب وأصحابها. واستمرت الرحلة في الأردن ليصبح الحفاظ على التراث جزءاً أساسياً من حياة وداد قعوار
أُسرتي
ابنتي الكبيرة زينة متزوجة وأنهت دراسة التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت، ولديها بنتان وولد.
وابنتي الثانية ريما تسكن في أمريكا ودرست تاريخ وتربية، وهي متزوجة ولديها بنت وولد.
وبعدهما ابني أمين درس الاقتصاد وهو متزوج ويعيش بين الأردن وكندا، ولديه ثلاث بنات وولد.
ابنتي ميري تعمل في هيئة الأمم في تنزانيا، وأنهت الدكتوراة في الاقتصاد، وهي متزوجة وليس لديها أبناء بعد. كلهم يحبون التاريخ كثيراً لكنهم ليسوا موجودين هنا للمساعدة، حفظهم الله جميعا.