تاريخ الكرك المحكي.. تعدد الروايات ووحدة المعنى

تاريخ الكرك المحكي.. تعدد الروايات ووحدة المعنى

حسن ذيب المجالي  اشارة الى ما كتبه الباحث الاكاديمي د.حسين محادين في صحيفة الرأي الغراء عدد رقم «12540» تاريخ 20/1/2005 ص23.
المعروف ان التاريخ العربي في الجاهلية هو تاريخ «محكي» شفوي حفظه ديوان العرب «الشعر» ثم تم تدوينه لاحقا ليكون مرجعا اساسيا اكاديميا ومعرفيا ولم يكتب الا بعد التحقق والتأكد ولغاية الان لا يزال هناك من يحقق فيه فينفي نسبة بعض القصائد او بعض ابياتها عمن نسبت لهم.
اما بعد مجيء الاسلام فقد نشأ وترعرع علم فريد من نوعه هو علم الجرح والتعديل للتدقيق والتثبت من الاحاديث النبوية التي لم تسلم بدورها من الدس والافتراء والتزوير فكان التدقيق في الرواة قبل الرواية مما يجعل التحقيق في اي رواية امر دقيق الا ما اجمع عليه سواء من مجموعة او من جيل كامل وبالتالي فمهمة المؤرخ والكاتب هي التحقق من الروايات التاريخية وتمحيصها فكيف اذا كان الحديث عن تاريخ يقل عمره عن مائة عام اعني ثورة الكرك او ما اصطلح على تسميتها «الهية» وقد اشار الكاتب الى «وفا/ مقتل الشيخ قدر المجالي» وكأنه يشير الى امر ما هو ادرى به.
يقول الكاتب «ابرز ما خلخل الثبات النسبي في الوجدان الشعبي اثناء هذه المحاضرة عدد من القصص التي ربما كانت مسلمة لدى العقل الجمعي» انتهى الاقتباس.
واتساءل كيف تكون الروايات المؤكدة والثابتة بشهادة جيل كامل ممن عاصروا الاحداث ورأوها بام اعينهم ذات ثبات نسبي رغم ان بعض ابناء ذلك الجيل ماتوا في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم وقام العديد من المؤرخين الاردنيين امثال روكس العزيز ومحمود عبيدات واخرين بالتحقق من تلك الروايات ودراستها ونشرها مدونة مع استعدادهم لتحمل كافة التبعات كونهم اخذوها شفاهة بشهادة اناس كثر تكفي شهادة بعضهم لاثبات جرم قد تكون عقوبته الاعدام.
بغض النظر عن بعض الروايات الفردية التي لم يروها الا اصحابها فقد اجمعت الروايات من داخل الكرك «وهي كثيرة» او من خارجها على الخطوط العريضة للثورة من حيث اسبابها ونتائجها واغتيال «استشهاد» قائدها بالسم في الشام واحيل الكاتب الى ابناء واحفاد المرحوم الشيخ تركي الحيدر الزبن والذي نجا من الموت مع قدر المجالي وعاش بعدها لفترة طويلة ومات اواخر سبعينات القرن الماضي ولا زال الكثير من ابنائه واحفاده يحفظون روايته الشفهية عن تلك الحادثة وكيفية نجاته منها وكان من واجب الكاتب والمحلل والناقد توثيق تلك الشهادات لا انتظار موت اصحابه لتبدأ مرحلة استقصاء الحقائق دون مرجعية عاصرت تلك الاحداث وعايشتها مع العلم ان من قاربت اعمارهم الخمسين سمعوا الكثير عن تلك الثورة واغتيال قائدها بالسم من اناس عاصروها بل وشاركوا فيها ولو بسهام الليل «الدعاء» عندها -اي بعد وفاة المراجع الشفهية- يأتي رأي الكاتب كالآتي «يكون السعي نحو احترام العقل هو نفي قداسة موهومة مرتبطة بعقل جمعي يتلقى فضل تلقى له كمسلمات» انتهى الاقتباس وكأن هذه الروايات اساطير يونانية عمرها الاف الاعوام رغم ان عمرها لا يزيد عن عمر الدولة الاردنية الا ببضعة اعوام مع العلم ان احترام العقل يوجب احترام عقول السابقين من الذين عاصروا الثورة والذين ليست عقولهم بالتي تتقبل فضل الكلام دون تمحيصه فضلا عن معايشتهم للامر وان احترام العقل هو بالعودة للاساس والاثبات العلمي والعملي باحترام ذاكرة ابناء منطقة بأكملها وليس نفي القداسة الموهومة المرتبطة بالعقل الجمعي وكأن هذا العقل الجمعي هو لطلاب مدرسة ابتدائية يتقبلون كل ما يوحى اليهم كمسلمات واسأل الكاتب الكريم هل تاريخ الكرك «خشم العقاب» وثورتها على الظلم وتضحياتها مجرد فضل؟؟! مع العلم ان اتفاق الغالبية على رواية يجعلها اقرب للثبات المطلق منها للثبات النسبي.
وللامانة العلمية اورد ما يلي:
لم يقم البعض او اي من ابناء الكرك بتسليم قدر المجالي بل على العكس من ذلك ظل في الكرك طيلة سنوات الثورة وكان يتنقل بين انحاء الكرك برفقة بعض فرسان عشيرته مستخدما اسما حركيا هو «علي» وكان الكركيون يحبونه كونه شيخ المشايخ وقائد الثورة وكانت الثورة اساسا لمنع الاتراك من اخذ ابناء الكرك للتجنيد الاجباري وقدر المجالي هو صاحب مقولة «والله ما يموت عيالنا وتسلم عجايز الترك» والثورة كانت للجميع ولاجل الجميع وقد اشار الشاعر وقتها الى ذلك بقوله:
«استحمد الله يا علي عدوهم خاف
ذبح العسكر والملا تشهدلي
انت قدر سميتك علي وانا خاف
وصيتك شهر قرناس صقرا مطلي
من حدود سوريا الى بلاد الاشراف
الظلم راح والمصاعب تولي»
وكان الكركيون يغنون:
«يا سامي باشا ما نطيع
ولا نعد رجالنا
لعيون مشخص والبنات
ذبح العساكر كارنا»
ومشخص هي زوجة الشيخ قدر.
وبعد ذلك اصدر الاتراك عفوا عاما عن الثوار وعن قدر نفسه ثم وجهوا له دعوة لزيارة الشام مع عدد من شيوخ الاردن ودس الاتراك السم في القهوة وهكذا اغتالوا قدر المجالي ونجا من تلك الكيدة الشيخ المرحوم تركي الزبن والذي روى بلسانه مقتل الشيخ قدر.
لقد اختلفت الروايات على ماض بعيد مثل الزير سالم وكيفية نهايته وذلك لبعد الزمن واختلاف الروايات والكاتب نفسه نفى قصة الراحل ابراهيم الضمور باثبات عملي وعلمي ولا اعلم ما مغزى ربط الرواية بالاشارة الى قدر المجالي كون الثورة لا تزال حية في ذاكرة وفكر ابناء الكرك ولا يزال الكثير منهم يحفظون ما سمعوه ممن شاركوا فيها شاكرا للكاتب الكريم اثارة هذا الموضوع وداعيا اهل الاختصاص الاهتمام بتأريخ الوقائع المهمة في تاريخ الكرك خصوصا والاردن عموما.