عمان- وليد سليمان - تقع مدينة الطفيلة الاردنية التاريخية جنوبي العاصمة عمان على بعد «185» كيلومترا.. اما مساحتها فهي حوالي «2000» كيلومتر مربع، والطفيلة منطقة شاسعة وغنية بسحرها وجمال طبيعتها الخلابة وببساتين كرومها من العنب وباشجار زيتونها الشهي.
وقد تعددت مقولات الدارسين والباحثين في اصل وسبب تسمية الطفيلة بهذا الاسم.. فمنهم من يرجع هذا الامر الى مدينة ادومية عربية قديمة كانت تسمى «توفل» حيث كانت تقع في نفس هذا المكان.. وكلمة «توفل» في اللغات السامية القديمة كانت تعني «تراب الصلصال» الذي يعمل منه الطين مع بعض الماء.
ويذهب الباحث والروائي سليمان القوابعة الذي عايش تلك المنطقة وقام بدراسة واسعة من خلال كتابه «الطفيلة منذ العصر الحجري حتى 1930» الى تأكيد مقولة ان الطفيلة هي مدينة الخزف وذلك بسبب تواجد مادة الصلصال او «الطَّفْل» بالوانه المختلفة وبكميات كبيرة من مدينة الطفيلة وقراها المتناثرة، حيث كان لتلك المادة اهمية كبيرة في العصور القديمة، اذ كان الطَّفل يشكل المادة الخام لاهم صناعة في تلك الازمان السحيقة الا وهي صناعة الخزف والفخار.
ويشير القوابعة ايضا الى مدينة الطفيلة بقوله انها تقوم على طبقات من الصلصال بالوانه المختلفة.. وان الشخص المطل على مدينة الطفيلة بعد ان يلمح للوهلة الاولى روعة المشهد الجغرافي الفريد وامتداد سفوح الزيتون سيرى المنحدر الشمالي الغربي المتكون من اتربة الطَّفل الرمادي، مما جعل لهذه المدينة قديما اهمية بالغة في صناعة الخزف.. اذ عُثر ايضا على افران كثيرة في ارجاء منطقة الطفيلة حيث استعملت لانتاج الفخار والادوات الخزفية من قبل الادوميين وبشكل اكبر من الانباط فيما بعد الذين ابدعوا كثيرا بصناعته.
اما عن ربط اسم مدينة الطفيلة بما عُرف بام الكروم او بساتين العنب فقد كان ذلك عن طريق ما تركه الرومان -الذين اطلقوا على الطفيلة اسم «دي تيفلوس»- من معاصر عنب وجداول خاصة بها ما تزال بعض آثارها باقية حتى الان.
هذا ومن ناحية اخرى فقد جاء في قاموس المنجد للاعلام عن سيدنا «ايوب» عليه السلام انه رجل من ارض »أَدوم» قد امتحنه الله في ماله واهله وجسده، فاحتمل وصبر وشكر حتى ردّ الله له كل ما فقده حتى ضُرب المثل بصبره الطويل.. وعن «ارض ادوم» فهو الاسم القديم للبلاد التي كانت تقع في جنوب الاردن وحتى خليج العقبة وذلك في حقبة الالف الثانية قبل الميلاد.. وهناك اشارات مؤكدة للباحث على ان الادوميين هم عرب!! فبعض اللمحات التاريخية تدلل على عروبة الادوميين فهم بدو ساميون اولا، وان قرب الادوميين من جزيرة العرب مصدر الهجرات السامية يقربهم ايضا للعناصر العربية الاصيلة وان اسماء ملوكهم عربية توحي بعروبتهم مثل اسماء «جابر» كما ان زوجة عيسو الذي ينتسب لها الادوميون هي «بسمة» وكذلك النبي «ايوب» وزوجته «رحمة» وغيرهم ايضا.
وعن ايوب ايضا «عليه السلام» فقد ظهر على الارجح في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد.. وقد اختلف المؤرخون في مكان سكن النبي ايوب!! اذ يذكرون انه سكن في بلاد «العوص» او «العيص» حيث توجد عدة اماكن بهذا الاسم وجميعها في منطقة جنوب الاردن ومنها «العيص» التي تقع قرب مشارف مدينة الطفيلة في جبل عاش ومات فيه النبي ايوب.
وفي خرائب عيص الطفيلة يوجد مقام النبي ايوب.. اذ تروي الاخبار المتوارثة ان الناس ومنذ القدم كانوا يترددون عليه واحيانا يدفنون موتاهم حوله ويوقدون الشموع ويضعون الحناء على اطلال رفاته، حتى اعتبروه ماهرا في شفاء المرضى ومباركا وصاحب قدسية.. هذا ويتواجد المقام في حجرة قديمة واسعة مهدمة الحوائط تحمل مزايا عهد قديم قديم جدا.
وايضا في الطفيلة كذلك يوجد مقام الصحابي الجليل «الحارث بن عمير الازدي الذي استشهد قرب حمامات عفرا وانه احد الرسل الذين ارسلهم الرسول لتبليغ حكام وامراء وملوك الدول المجاورة برسالة الاسلام الجديدة وذلك بعد صلح الحديبية الذي اخذ فيه الاسلام بالانتشار.. لكن الحارث الازدي تعرض وهو «السفير» المسالم للقتل!! مما دعا الرسول محمد عليه السلام لاعداد جيش لخوض معركة مؤتة الشهيرة جنوبي الاردن.
اما عن معركة الطفيلة الشهيرة والتي حدثت في العام 1918 ما بين العرب والاتراك المحتلين فان للسيد «لورنس العرب» المغامر المعروف نصيب من حشر نفسه في تلك المعركة!!
واذا ما تساءلنا عن «لورنس العربي» من هو؟! فانه «توماس ادوار لورنس» الجندي والباحث والمغامر البريطاني والمنقب عن الاثار الذي انضم لقوات الثورة العربية الكبرى تحت قيادة الامير فيصل الاول بن الحسين حيث شارك في ايقاد جذوة الثورة العربية ضد الحكم التركي العثماني المسيطر على بلاد الشام.. وقد جذب لورنس انتباه الرأي العام الغربي اليه وذلك بسبب ما نشره في كتبه عن تجاربه المتنوعة في ارض العرب مثل كتابيه «ثورة في الصحراء» و«اعمدة الحكمة السبعة».
وعن معركة الطفيلة السابق ذكرها فقد اعتبرت من المعارك الهامة التي خاضها رجال الثورة العربية الكبرى في المشرق وانتصروا فيها على الاتراك.. اما «لورنس العرب» فقد اودع تصوراته عن الحرب وخاصة عن معركة الطفيلة في كتابه «اعمدة الحكمة السبعة» حتى وصف نفسه بانه كان قائدا للمشاة فيها!! ولكنه وكما ذكر الزميل الباحث سليمان انه نسي او تناسى شيئا هاما وهي كمائن رجال الثورة العرب المتقدمة من الطفيلة، وهم الذين افقدوا قدرة الاتراك على التخطيط والصمود!!
والثابت ان لورنس اسهب وبالغ في الحديث عن بطولاته الخارقة!! مع العلم انه لم يظفر بشيء عن دور لورنس العرب في معركة الطفيلة سوى حضوره المجرد وتواجده العادي على ارض الطفيلة.
وهكذا فان الحديث عن الطفيلة وتاريخها وجغرافيتها وطبيعتها الجميلة وناسها المعروف عنهم بالكرم والطيبة والشجاعة حديث ذو شجون يطول ويطول ولا ينتهي عند حد معين.
