قاع «خنّا» الطيني صفاء ماء وعزم رجال

قاع «خنّا» الطيني صفاء ماء وعزم رجال

كتب: جهاد جبارة - هناك في سكينة الارض وبين الطريقين اليتيمين اللذين يخترقان البادية الشمالية الشرقية، والممتدة على مساحة تزيد عن 12000 كيلو متر مربع ونقصد طريق (المفرق ـ بغداد) الذي يخترق الحرة البازلتية السوداء شمال البادية، وطريق الازرق الذي يتوغل عمقا في صحراء الحزم الصواني، الى الجنوب من البادية تقع مجموعة من القيعان الطينية، ذات اللون الابيض المشوب باللون الرمادي.
ومن هذه القيعان، قاع «الحبابية» وقاع «خنّا» (بتشديد النون) الذي يعتقد بانه استمد اسمه من امرأة عاشت، وماتت، ودفنت فيه كانت تلقب «بالخنباء»، او«الخنفاء» لأنها كانت تخنب حين تتحدث.
لا يمكن لأحد من عبور القاع شتاء حيث تغمره المياه الا من خلال منطقة تسمى «بالخرزة» تقع الى الشرق منه هي الطريق التي سلكناها كونها الوحيدة التي لا يغمرها الماء شتاء.
وعلى اطراف القيعان حيث لا ينبت فيها لا شجر ولا نبات يفاجأ العابر بعزيمة الرجال التي اقامت «بيت شعر المروى» الذي سنعرج عليه خلال تجوالنا عبر تلك القيعان.
يقول د. احمد ملاعبة رئيس قسم علوم الارض والبيئة، ونائب عميد كلية الموارد الطبيعية في الجامعة الهاشمية «أنه نظراً لتكوين القيعان الطيني، ونظرا لتميزها كظاهرة جيولوجية فريدة في منطقة البادية فانني اقترح تسميتها «بقيعان حنّا الطينية» مؤكدا انها «قيعان لا ينبت فيها شجر او نبات» معللاً ان ذلك «لا يعود لقلة المياه فيها بل العكس تماما.. حيث انها وبسبب موقعها الجيولوجي، التضاريسي كقاع تحيط به مجموعة من الجبال والهضاب، والتلال، والاكمات، والمربات، والتي تنساب من بينها اودية، وشعاب عديدة مثل وادي «الغرابي» ووادي «سميحة» (بضم السين)، ووادي «السلايطة» من الشمال.. ووادي «ارينبة» ووادي «الغليسي».. ووادي «الشريف» من الشرق وشعب ابو صوانه من الجهة الجنوبية والتي تفيض مياهها في مواسم المطر الخيّر كمثل عامنا هذا باتجاه هذه القيعان محملة بالطين، والغرين مبقية القيعان طيلة الشتاء وجزءا كبيرا من الربيع مغطاة بالماء الامر الذي يمنع او يحد من نمو بذور النباتات، والاشجار في تلك المنطقة ويحولها الى عاقر لا تحمل في رحمها الاخضرار.
وتوصف هذه القيعان بالمستوية لان ارضيتها مبسطة مرتفعة مستواها عن سطح البحر بحوالي 590 مترا، وهي بذلك تنخفض عن مستوى الحرة البازلتية المحيط بها من الشمال بحوالي 30 الى 150 مترا، وعن صحراء الحزم الصواني من 20 الى 50 مترا.
ان الذي يقف على الاكمات والهضاب المحيطة بالقيعان مثل جبال «الخيزنات» جنوبا، او جبال «النواسف» غربا يرى بكل وضوح بركان «المناسف» الغربي شرقا وبراكين «الرفاعيات» و«ارنيبة» شمالا وهي المحاذية الى بلدات المنارة، والاشرفية والحميدية الواقعة على طريق (المفرق ـ بغداد).
يقول «ملاعبة» ان قاع خنّا الطيني يعتبر مفصلا طبيعيا بين ثلاثة من التكوينات الجيولوجية:
1) تكوين الحرة البازلتية.
2) تكوين صحراء الحزم الصواني (ام رجام).
3) تكوين طيات الحلابات، او ما يعرف بتكوين «وادي السير».
اما طيات جبال الحلابات فهي تكوين طبيعي يمتد من الطرف الشمالي الشرقي للبحر الميت الى ان يختفي تحت انسيابات الحرة البازلتية، وهي طيات تُري تموجات جميلة كتموجات مياه البحر تظهر بوضوح على جانبي طريق الأزرق.
* اضاءة
ان ظهور مثل هذه التراكيب علي جوانب الطرق ادى الى الاهتمام بها فوضعت في العديد من دول العالم الاشكال التوضيحية التي تبين جيولوجية هذه المناطق وهي ما تعرف ROADSIDE GEOLOGY اي جيولوجية جوانب الطرق والتي تعطي وجبة دسمة واستراحة طبيعية للمسافر ضمن السياحة البيئية والجيولوجية والمنتشرة عالميا، لكننا نفتقدها هنا حيث التكاوين الرائعة.
وجدير بالذكر ان تكوين جبال الحلابات قد رفد المجتمع الاردني باحجار البناء الكلسية البيضاء، واحجار الزينة والرخام والتي ساهمت في بناء الاردن الحديث. الامر الذي جذب العديد من مستثمري المقالع في تلك المنطقة.
وخلال مرورنا في الطريق استرعى انتباهنا محجر قديم امتلأ بالرسوبيات، ويرجح «ملاعبة» ان حجارة هذا المحجر كانت قد استخدمت في بناء جزء من حمام السرح في قصر الحلابات ومواقع اخرى في اثار جرش بناء على دراسة كان قد اجراها حديثا.
وكما ان قاع خنا يعتبر مفصلا طبيعيا فانه يعتبر ايضا مفصلا عشائريا حيث يعتبر الحد الطبيعي بين اراضي اهل الجبل في الشمال واراضي بني صخر في الجنوب، وبني خالد في الشمال الغربي.
ان وفرة المياه التي تنساب ناحية القيعان من كل حدب وصوب شتاء يؤدي الى تغذية خزانات المياه الجوفية والتي تعود الى العصر الطباشيري «الكريتاسي الاعلى» بالمياه العذبة النقية، مما ادى الى قيام المواطن الاردني من اهل العزم بنشر بساط اخضر على سطح تلك القيعان ويظهر ذلك جليا بالعديد من المزارع الواقعة الى الشمال من الحلابات.
بيت شعر المروى
ان المياه العذبة النقية المختزنة كما اسلفنا داخل خزانات جوفية تعود الى العصر الطباشيري دعت «ظاهر احمد عمرو» لاستقطاب رأسمال غربي من الاشقاء السعوديين تحديدا حيث انشأ بمشاركة معهم في وسط القيعان مصنعا فريدا للمياه المعدنية الطبيعية والتي حازت على أرقى درجات التقدير العالمية مؤكدا عمرو «ان اهل العزم قادرون على اختراق القيعان من اجل تسويق الاردن عالميا».
ويؤكد ظاهر عمرو ان فكرة اقامة المصنع في تلك المنطقة كان هدفها الرئيسي تنمية المجتمع المحلي ودفعه للقيام والوقوف على قدميه لمجابهة التحديات بالاشارة الى تخلي ادارة المصنع عن الخبراء الاجانب واستبدلتهم بخبراء من اهل الحلابات بعد ان تم تدريبهم والتأكد من خبرتهم العالية.
ولعل اكثر ما يلفت الانتباه في القيعان بيت الشعر الكبير الذي اقامه ظاهر عمرو من اجل تجسيد تلاحم رأس المال ببداوة المنطقة والتراث الاردني العريق.