بالأمس ألقى قائمة المشتريات الطويلة لشهر البركة في درج المذكرات خاصته، عادته المحببة كل عام، ربما لدراسة احتياجات العائلة السنوية بشهر رمضان، أو لعله لآخر يفترضه مستقبلاً.
ها قد طلت روح شهر البركة، وهبّت ريحه... وبدأت الحسبة، متى نصوم ؟ ومتى نفطر؟ وكيف ننسّق ما بين احتياجات العمل والأسرة، واحتياجات الروح؟ مجبر أخاك فيها لا بطل!
حسبة معقدة أنا معكم إذا ما أردناها جميعها... وخاصة إذا ما تباينت الآراء، وتعددت المطالب، وتكاثفت الالتزامات، وبالنهاية نتفق عند عادة واحدة، ونقطة التقاء وارتكاز واحدة هي مائدة الإفطار، ومع هذا نفترض أن كل تفاصيلها يجب أن تكون جاهزة، وما يتخللها من أطباق تفتح النفس وتشجع على التخمة، إضافة إلى الحلويات ومستلزمات السهرة برفقة باب الحارة وحكاية جديدة لأبي عصام وولديْه، وتسلية جديدة من تسالي رامز يلعب بالنار، إلى أن تعلو صدورنا نار الضيق والروتين.
نحن نقع في الخطأ نفسه كلما زارنا الشهر الفضيل مرة في العام ، نقدّر أكثر مما نقدر عليه ، فالصائم يكفيه القليل دون تأزم وإسراف ، لتكون النتيجة أن يفوق الفائض المستهلك إلى ما لا نحمد.
ومثل كل سنة نضع برنامجا محكمًا ، معظم بنوده للعبادة والتسوق، وبعضها لتنظيم السهرات الرمضانية زماناً ومكاناً وصحبة، ونتجادل ونتشاجر، ونجري مقارنات بين الأماكن، ونتسمّر أمام شاشات التلفاز لمتابعة المسلسلات التي قلما ترضينا، وكثيراً ما نتبارى في انتقادها، ولوْم مَن أعدّها وشارك فيها تأليفاً وإخراجاً وتمثيلاً ، ومع ذلك لا نملّ من متابعتها على طريقة ‹›مجبر أخاك لا بطل›› أيضاً.
فلا تقلق كل هذه المَعمعة لا تذهب هباء ، بل إننا نخرج منها بفائدة، يكفي أن مرحلة الإعداد للشهر الفضيل تحيي سلوكات الحوار الأسري ، فيذوب جليد الصمت وتدبّ روح الكلام بيننا ، فنشعر بأننا عدنا فعلاً أسرة واحدة ، وهذه إحدى أهم الفضائل في هذا الشهر ، فأن يبث الروح في علاقات تجمّدت بفعل ‹›ريح›› العصر لا روحه ، تجعل من كل فرد فينا عالما قائما بذاته ،ومنعزلا عن الآخرين، ومنصرفاً إلى خوض عراك الحياة العملية ، مكرسًا لها كل جهوده وحواسه وأحاسيسه.
معاً لنستقبل وننهي هذا الشهر الفضيل ، لتدبّ في بيوتنا روح جديدة، وتهب علينا رياح دافئة تذيب الجليد المتراكم حقدا أو حسدا ، لتظهر إنسانيتنا من جديد، ونعود بالفعل أسراً ‹› مترابطة›› ومتحاورة ومتشاركة.
هذا الشهر الآتي إلينا بكل أنواره وبركاته ورحمته، يحمل الخير إلى كافة أركان أمتنا العربية والإسلامية وأسرنا الأردنية الطيبة، بيتاً بيتاً، حياً حياً.
مبارك عليكم الشهر، وكل عام وانتم بالخير والأمان.
[email protected]
* يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي .