تعمل هذه الفئة ليل نهار وعلى مدار الساعة في «كراج « العمارة والشارع والحي بنشاط وهمة وجلد سواء في أوقات الحر والبرد أو أي وقت متاح لغسل السيارة وتلميعها وأداء الخدمات الأخرى للسكان بشكل منتظم مقابل أجرة شهرية محددة لقاء عدد مرات الغسيل إضافة لغسل درج العمارة مرة في الأسبوع وغالبا ما يقوم بالعمل حارس العمارة و«جماعته» والذين ينظمون العمل فيما بينهم.
هذه الفئة هي مستودع أسرار الجميع؛ يعرفون تفاصيل كثيرة عن السكان وعائلاتهم ومستواهم المعيشي ومشاكلهم والعديد من خصوصياتهم وأقاربهم وزوارهم وحتى مزاجهم وبالتالي يشكلون مدخلا مناسبا لحل العديد من المشاكل العامة والخاصة وتقريب وجهات نظر الجيران ومساعدتهم في تخطي العقبات سواء الاصطفاف وجلب بعض الطلبات العاجلة من « السوبر ماركت »القريب.
من يتابع تجربة غاسلي السيارات يشهد تجربة فريدة من الترتيب والتخطيط من حمل« السطل » إلى قطعة القماش والصابون وحكاية الصف الواحد من السيارات أمام البيوت والعمارات السكنية والتي يجب ان تجهز قبل خروج الموظفين إلى أعمالهم والتحرك بسيارة نظيفة.
اقتربت من ذلك الذي يغسل السيارات عند أخذه لقسط من الراحة عند اخر سيارة، جلس على حافة الرصيف ونظر للمدى البعيد مع ساعات المساء، ابتسم بثقة واكتفى بلحظات من الراحة وهب لمتابعة عمله في مكان اخر ولم تجف ملابسه بعد... ثمة حكاية خاصة به قد لا يعرف تفاصيلها إلا هو مع انه الوحيد الذي يحفظ أسرارنا عن ظهر قلب. فعبر سنوات الغربة والتجربة القاسية وتشقق راحة اليدين وتحمل جميع النفسيات والأمزجة والمستويات وعبر الدنانير وعرق التعب والإكراميات ، تجمعت حكايته معنا من ساعة خيوط الفجر وحتى ساعات الليل المتأخر قبل الانطلاق لمهام إضافية وعمر ينقضي بعيدا عن العائلة.. حكاية لا ندرك معانيها ومعاناة اصحابها إلا في حالات معينة وخصوصا عندما ينوي السفر...عندها يدبر هو الأمر ويرتب مع ابن عمه أو قريبه لمتابعة المشوار وتحمل المسؤولية من بعده.
لا بد من الحديث عن هذه الفئة نظرا للخدمات التي تقدمها لسكان العمارة الواحدة والحي الواحد وللجهود الكثيرة للجميع في المنطقة الواحدة وخصوصا مع الأجواء المغبرة وحالات عدم الاستقرار الجوي والحاجة لغسل السيارات أكثر من مرة وربما غسيل النفوس من غبار التكبر وما يعلق بها من الأمراض المعدية والتي يجب علاجها بأسرع ما يمكن.
أحببت الكتابة عن هذه الفئة على وجه الخصوص للإشادة بتجربتها والاستفادة من خبرتها والعناية بأمرها والانتباه إلى شؤونها وشجونها وأحوالها عن قرب وعطف ومودة واهتمام وربما السؤال: هل يمكن لشبابنا الإقدام على غسل السيارات دون الشعور بالعيب ؟ وأبعد من ذلك وأعمق: هل تعني قطرات عرق الأجير لنا شيئا قبل نقده الأجر ؟ حكاية «السطل» و«الخرقة» والصابون تحتاج للتأمل فهي ليس مجرد غسل سيارة.....إنها تعني أكثر !.