كتب - إبراهيم السواعيرالتكريم بحدّ ذاته سببٌ لأن يشعر المُكرّم بالكينونة والوجود؛ وإذا نحن أنعمنا النظر في ما بين أيدينا من وسائل التكريم وأساليبه وجدناها لا تنتهي، إذ تكفي النيّة المخلصة لاجتراح فكرة أو تفعيل لمعة ذهن قراراً قابلاً للتطبيق.بمناسبة تكريم وزارة الثقافة صباح اليوم 100 فنانٍ وأديبٍ في المرحلة الثانية من مشروعها الاحتفائيّ (غابة الإبداع: أردن أخضر بمسيرة مبدعيه)، نستعيد المرحلة الأولى الناجحة منه في تكريمها أربعين مبدعاً، وهي المرحلة التي أشّرت على الكثير.يومها، وأثناء تداول الفكرة قبل التطبيق، كان الوسط الثقافي والإعلاميّ أمام فكرة ظلّت تبدو غريبةً أو شيئاً مما لا يمكن تطبيقه؛ لكنّ التفاف أطفال وشباب وكهول أمام (غراس) حملت أسماء مبدعين قضوا، أو ما يزالون بيننا يتنفسون هذا الوفاء، كان التفاتاً يشي بدموع فرحٍ وحزنٍ، وطيوفٍ من الذكريات، واستعادة لهذه الـ(المشاوير) الإبداعيّة لروّادنا والجادّين الذين نعرف إبداعهم ونعتزّ به، خصوصاً في محيطنا العربيّ الذي يحزننا أنّه يظلّ دائماً يتلمّس خطاهم ويتمثّل بهم في الأدب والفنّ وفي كلّ صنوف الإبداع.حركةٌ لافتة من التأهّب الشبابي للإسهام في زراعة الغراس التي تغدو أشجاراً يانعةً بالإبداع، وفي ذلك فكرةٌ يتضمنها الإبداع الذي ينمو، وفكرة أنّ تعميم مبدعينا على المجتمع والناس بكلّ الشرائح والثقافات إنّما يحتاج عصفاً ذهنيّاً لئلا يظلّ المبدعون فقط يعرف بعضهم بعضاً فتزداد مساحة الغربة والشعور بالنخبويّة من طرفين: المبدع الذي يرى ذاته أكبر من الناس، والناس الذين يرون أنّهم لن يصلوا إبداع أولئك أو أنّهم غير معنيين بهم لانقطاع الصلة وتباين الاهتمامات.في موقع التكريم أو غراس الشجر، بما يحمله (الأخضر) من دلالة، كان المشهد يستفزّ الصخر لينفلق فتتضمن تفاصيله شجرةً تحمل اسم هذا المبدع أو ذاك، مثلما كان يستفزّ المآقي لتنساب على جنبات دموعاً حرّى؛ لأننا كثيراً ما نقصّر في حقّ هؤلاء.ساحلٌ من الشجر يمكن تصوّره على ضفاف شارع الأردنّ، وأنفاس تغذّي هذا الشجر بحب الأردنّ ونهضته وحضارته والوفاء له، وفي الواقع، فإنّنا وبعد عشرات السنين إن طالت الحياة بالشجر والبشر ندرك أهميّة الفكرة، بل ونراكم عليها من الأفكار ما يعلو في قممها المبدع ملوّحاً بالكلمة التي ظلّت تتخلل المكان: (شكراً)، وهي الكلمة التي قرأناها في العيون المتأهبة لأن تستظلّ بالشجر الباسق، مثلما يظلّ الأردنّ دائماً يستظلّ بالقامات المبدعة العالية التي هي اليوم محلّ احتفاء. المهمّ في هذا (التكريم) أو ذاك هي الفكرة بحدّ ذاتها، وقد قامت وزارة الثقافة بما يجعلنا نثق بالنيّة ونطمئنّ إلى الاهتمام بفئة المبدعين من الناس، وهي فئةٌ كثيراً ما تظلّ تشعر بالانطواء، أو تشكك برغبة صانع القرار الثقافي في الاحتفاء والتكريم، ولنا في مشروع (الومضات) الذي تبنّته الوزارة ويتمّ التعريف فيه بالمبدع الأردني فكراً، وأدباً، وفنّاً، ما يشعرنا بالاطمئنان فعلاً إلى وضع الفكرة موضع التطبيق، ففي دقيقةٍ تلفزيونيّةٍ يدخل هؤلاء قلوب الطلبة والأبناء وربات البيوت ورواد الشاشة الصغيرة ليسألوا على الأقل أو ينخرطوا في صفوف مبدعينا قيد العطاء والتكريم. ومثل ذلك برنامج (سيرة مبدع) النصف سنويّ، وجوائز وزارة الثقافة الإبداعيّة، وغير ذلك الكثير مما تضطلع به الوزارة في تكريم المبدعين. قال الشاعر: (كن جميلاً؛ ترَ الوجود جميلاً)، وهي دعوةٌ مُحبّةٌ لأن نفرح، ونجتمع جميعاً على الحبّ والعطاء.
(غابة الإبداع).. الفن والأدب في ضمير الناس
12:00 15-3-2016
آخر تعديل :
الثلاثاء