اسمها عاتكة بنت خالد بن خليف بن منقذ، من خزاعة. تزوجها ابن عمها تميم بن عبد العزى بن منقذ، وكان منزلها بقديد، وهي التي نزل عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر الى المدينة. قالت أم معبد: طلع علينا اربعة على راحلتين، فنزلوا بي، فجئت رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة اريد ان اذبحها: فاذا هي ذات درّ: فأدنيتها منه، فلمس ضرعها، فقال: لا تذبحيها، فأرسلتها.
واضافت ام معبد قائلة: وجئت بأخرى، فذبحتها، فطحنت لهم، فأكل هو عليه السلام واصحابه، وهم: ابوبكر الصديق ومولاه، وعبدالله بن اريقط (دليل الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة)، وهو على شركه. وقد تغدى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو واصحابه منها، وبقي عندنا لحمها او اكثره، فبقيت الشاة التي لمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرعها عندنا، حتى كان زمان الرمادة، ايام عمر بن الخطاب، سنة ثماني عشرة من الهجرة، وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا، وما في الارض قليل ولا كثير.
ومن الجدير بالذكر ان ام معبد كانت يومذاك مسلمة. وقيل انها اسلمت بعد ذلك، وروي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وابابكر ومن معهما، مروا على خيمة ام معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزة جلدة، تسقي وتطعم بفناء الكعبة، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه، فلم يصيبوا عندها شيئا، وكان القوم مرملين، وفي كسر الخيمة شاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ام معبد، هل بها من لبن؟» قالت: هي اجهد من ذلك، فقال: «أتأذنين لي ان احلبها؟»، قالت: نعم، ان رأيت بها حلبا. فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها، وسمى الله، ودعا لها في شاتها، فدرت واجترت، فدعا باناء فحلب فيه حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، ثم سقى اصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم، ثم حلب فيه ثانيا ثم غادره عندها، وبايعها وارتحلوا عنها.
ثم جاء زوجها ابومعبد يسوق أعنزا عجافا هزالا، مخهن قليل، فلما رأى اللبن عجب وقال: اين لك هذا اللبن يا ام معبد، والشاء عازب حيال، ولا حلوب في البيت؟
قالت: لا والله الا انه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.. قال: صفيه لي يا أم معبد.
قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، ابلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي اشفاره غطف، وفي عنقه سطع، وفي صوته صحل، وفي لحيته كثاثة، ازج اقرن، ان صمت فعليه الوقار، وان تكلم سماه وعلاه البهاء. اجمل الناس وابهاه من بعيد، واحسن واجمله من قريب. حلو المنطق، فصل لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو انضر الثلاثة منظرا واحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، ان قال انصتوا لقوله، وان امر تبادروا الى امره، محفود محشود، لا عابس، ولا مفند.
قال ابومعبد: هو والله صاحب قريش، الذي ذكر لنا من امره بمكة، ولقد هممت ان اصحبه، ولأفعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا.
فأصبح صوت بمكة عاليا: يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه.. رفيقين حلا خيمتي ام معبد
هما نزلاها بالهدى فاهتدت به... فقد فاز من امسى رفيق محمد
الى ان يقول:
سلوا اختكم عن شاتها وانائها... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت... له صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب... يرددها في مصدر ثم مورد
فلما سمع ذلك حسان بن ثابت، جعل يجاوب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قوم غاب عنهم نبيهم... وقدس من يسري اليه ويغتدي
ترحل عن قوم فضلّت عقولهم... وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم... وارشدهم من يتبع الحق يرشد
الى ان يقول:
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وان قال في يوم مقالة غائب... فتصديقها في اليوم او في ضحى الغد
نبيل عبدالقادر الزين