اربد - الرأي - للعام الثاني على التوالي افل نجم مدفع رمضان عن سماء مدينة اربد، لاسباب متعددة، لعل ابرزها غياب ابو علي شاهين، الذي انتقلت روحه الى بارئها قبل اربعة اشهر، بعد ان ارتبط دوي المدفع بحضوره ومشاهدة دراجته النارية تجوب شوارع المدينة مسرعة باتجاه تل اربد الصناعي مكان انطلاق صوت دوي المدفع لتحضير القذيفة واطلاقها.
وبلدية اربد لا ذنب لها في افول النجم، لاسباب عدة، فمن مقتضيات الحضارة، الى غياب الجهة التي كانت تزود المرحوم شاهين بملح البارود، وصولا الى اتساع رقعة المدينة، التي بات الدوي عاجزا عن الوصول الى اطرافها، ليضحي المدفع اقرب الى الرمزية، منه الى الفاعلية المنذرة بحلول الغروب، ايذانا بموعد الافطار .
ويسجل لمدفع رمضان في اربد، انه الوحيد الذي وحد صوت المؤذن بحيث يكاد يختفي التفاوت بين مسجد واخر وقت الغروب، في الوقت الذي ما زالت فيه وزارة الاوقاف ترفع شعار توحيد الاذان في المدينة، ولم تنجح للان، لكن المدفع نجح في هذه المهمة، فالمؤذنون كانوا على الدوام شانهم شان سكان المدينة بانتظار دوي قذيفة ابو علي ليهموا مباشرة بالاذان ايذانا بحلول الافطار.
ويسجل التاريخ الاسلامي محاولات ابتكار للايذان بحلول الافطار في ظل الافتقار لوسائل اتصال مساندة للاذان تنذر به انذاك فالمسلمون اعتادوا ايام الرسول صلى الله عليه وسلم الاكل والشرب من الغروب حتى وقت النوم، وعند استخدام الآذان اشتهر به بلال وابن أم مكتوم لكن اتساع رقعة المكان الذي وطأه الاسلام تطلب ابتكار الوسائل الى جانب الاذان الى ان حل المدفع بديلا لها بل اكثر من ذلك بات المؤذن يركن الى صوت المدفع للشروع بالاذان.
وتناقضت الروايات حول المدفع وفي أي زمن بات وسيلة الانذار بحلول الغروب وان اتفقت على انه مدفع الحاجة فاطمة لكن اكانت فاطمة زوجة السلطان حوش المملوكي ام كانت ابنة الخديوي اسماعيل فهنا التناقض لكن نقاط الالتقاء ايضا في كيفية استحداثه كوسيلة انذاك بالصدفة حيث انطلقت قذيفة بالخطأ من مدفع موعد الغروب فظن الناس ان حاكمهم استحدث الطريقة ايذانا بحلول الافطار وتطورت الاستخدامات لتشمل الامساك والاعياد وبعض المناسبات.
قذيفة المدفع في اربد ابتكرت له وسيلة ليست حربية ولا ضاره قوامها الخرق البالية وقطع القماش التالفة التي شكل سوق البالة موردا رئيسيا لها فما لا يصلح للبيع يحشر في فوهة المدفع ليتطاير من على التل الصناعي فوق اسطح المنازل الواقعة على مدخل البارحة في الجزء الغربي من وسط المدينة.
لم تفلح وسائل الاتصال الحديثة في الحد من تاثير المدفع واثره في نفوس الذين يصلهم دويه من سكان المدينة منذرا بحلول موعد الافطار لكن التخلي عن تقليد مورس منذ قرابة 70 عاما اجبرهم على اللجوء لهذه الوسائل وان كان الحنين يشدهم الى مدفع ابي علي شاهين.
فالعلاقة ما بين المدفع ومواطني المدينة ممتدة جذورها لعقود مارس خلالها ابو علي شاهين اطلاق القذيفة قرابة 45 عاما وفي الذاكرة الطفولية لرجالات المدينة الكثير من ذكريات التحولق حول المدفع قبل موعد انطلاقه بنصف ساعة وانتظار قدوم ابا علي ومباشرته مسلسلا اعتاده لعقود طويله وبات مرتبطا به ارتباطا وثيقا وما ان يشعل الفتيل حتى ترتفع السبابتان لتخفف من حدة الصوت على طبلة الاذن لتتفرق الجموع عقب الدوي صوب اتجاهات المدينة الاربعة لتعاود الكرة غروب اليوم التالي.
لكن ايا كانت اسباب اختفاء مدفع رمضان فاللافت انه انتظر في موقعه خلال السنتين الماضيتين بانتظار حل لمشكلة ملح البارود لكن موت ابو علي شاهين ضاعف المشكلة الامر الذي تطلب خلع المدفع من موقعه ربما لاحد مستودعات البلدية وان كان البعض يرى بوجوب ضمه الى مقتنيات متحف المدينة حال انجازه كجزء من الثقافة الشعبية وذي صلة كبيرة بالطقوس الرمضانية.