هآرتس - نير حسون
(المضمون: المشهد متشائم وهو ان قصة البحر الميت ستنتهي...لن تكون هنا زراعة ولا سياحة... ومن المشكوك فيه انه سوف يكون بمقدور الناس النزول الى البحر والعوم عل سطح مياهه- المصدر).
في عيد الفصح قبل تسع سنوات ذهبت من اجل إعداد تقرير عن شواطئ البحر الميت. كان الوضع وقتها سيئا: فالشواطئ ابتعدت بسرعة، وكثرت الانهيارات والتراجع في حماية البنى التحتية على طول البحر قد ازداد. «جولة على طول شواطئ البحر الميت ربما هي جولة الفصح الاكثر إحباطا التي يمكن القيام بها في اسرائيل هذه الايام». هذا ما كتبنه وقتذاك، « ولكن مع كل ذلك فإنه من الممكن التحرك واخذ الاولاد، لانهم عندما يكبروا، فإنه من المشكوك فيه انهم سوف يستطيعون النزول الى البحر والعوم على سطح مياهه». هذه النبؤات الحزينة تحققت في معظمها.
من يريد ان يمضي اجازته في منطقة البحر الميت سوف يواجه بالعديد من المصاعب: شاطئ الاستحمام الاكبر – شاطئ عين جدي (الشاطئ المجاني الاخير) وشاطئ مينرال تم إغلاقهما بسبب مخاطر الانهيارات، وجدران الاسلاك الشائكة امتدت على طول كيلومترات كثيرة لمنع المتطفلين من الوصول الى الشواطئ. فالانهيار الذي حصل تحت الشارع رقم 90 بالقرب من عين جدي، تسبب في إغلاق الشارع وحدوث إكتظاظات كبيرة. والشواطئ التي بقيت مفتوحة تواجه صعوبات متزايدة في صعوبة الاقتراب من الماء. يقيمون في شمال البحر الميت كل سنة منصة جديدة، وفي محمية عين جدي يطيلون الشارع الواصل الى الشاطئ في كل عام، من اجل السماح للمركبات التي تقل المستجمين من الوصول الى خط المياه.
منذ اكثر من 20 سنة والمختصين ومحبي البحر الميت وهواة الطبيعة ، يحذرون من الكارثة البيئية التي تحيط بالبحر الميت وما حوله. في العام الاخير يبدو ان نبؤات الحزن تتحقق الواحدة تلو الاخرى. فسلسلة من الاحداث الجيولوجية التي نتجت عن انخفاض سطح البحر، وضعت للمرة الاولى علامات استفهام على مستقبل التجمعات السكانية، السياحة، البنى التحتية على طول البحر الميت.
فجميع المشاكل التي يواجهها سكان المنطقة ناتجة عن جفاف البحر، والناجم عن استغلال المياه العذبة التي كان من المقرر ان تصل اليه لصالح حقول المياه من قبل اسرائيل، الفلسطينيين والاردن، مضخات المياه لصالح مصانع الاسمنت التابعة لـ «كيل» ومن التغييرات المناخية. جفاف البحر يبعد خط المياه ويتسبب بتعاظم كبير بفيضان الوديان وانهياراتها من تحت الشارع ولخق الظاهرة الاخطر من كل ذلك – الانهيارات.
في شهر ديسمبر، بعد وقوع انهيار على شاطئ مينرال في شمال البحر الميت، امر مهندس المجلس الاقليمي مجيلوت بإغلاقه فورا. لقد كان شاطئ مينرال شاطئ استحمام شعبي يتم تشغيله من قبل كيبوتس ماتسبيه سلوم – ويشكل موردا اقتصاديا هاما لهذا الكيبوتس الصغير، ويعمل به 25 مستخدما. ومنذ اغلاقه يتم في المكان اصلاحات تسمح بإعادة إفتتاحه، الا انه لغاية الآن لم تبدي اي شركة تأمين استعدادها لتأمين الشاطئ الذي سيبقى مغلقا بشكل مؤقت. يقول عضو الكيبوتس، ارنون بيران، «انها ضربة صعبة ، ليس فقط من الناحية الاقتصادية، بل الاخلاقية، هذا الشاطئ كان مثل ميدان المدينة. على المستوى الشخصي انا قلق. بعد إغلاق يوم آخر للشارع سيقولون لنا ان علينا الاخلاء. لقد وصلت الى هنا وانا بعمر 30 سنة من اجل إقامة تجمع سكاني منذ البدايات وعندما اصل الى الستين سيقولون لي إذهب الى البيت؟ لا احد يهتم بالموضوع».
وبعد شهرين من إغلاق شاطئ مينرال قررت وزارة المواصلات ، شركة مسارات اسرائيل والشرطة، إغلاق مقطعا من الشارع الذي يقع قبالة شاطئ عين جدي. هذا المقطع، مبنى في منطقة عرضة للانهيارات، وتم بناؤه على ظهر ارضية من الباطون اعدت لمنع انهياره. ولكن من تحت الباطون حدث انهيار وهناك مخاوف من تزايد الانهيار. ومع الاغلاق تم فتح تحويلة ضيقة وقريبة جدا من المحمية، الى شرق الشارع. وفي ايام الاعياد تبين ان التحويلة، التي تسمح بالحركة في إتجاه واحد فقط في كل مرة، لا يمكنها استيعاب اكتظاظ المتنزهين.
فقد علق آلاف المتنزهين على مدار ساعات واكثر في طابور طويل من المركبات التي امتدت على طول كيلومترات. وشاحنة تابعة لشركة تنوفا كانت تحمل بضائع لعين جدي ، عادت من حيث اتت، مما يعمق من الشعور بهجرة الكيبوتس. يقول نمرود هاكر، مدير التجمع في عين جدي: «كل سفرة لنا امتدت من عشر دقائق الى ساعة ونصف»، واضاف «هناك اناس يحجزون غرفا في الفندق ولا يتمكنوا من الوصول، وبضائع عالقة، والمزارعون الذين يذهبون الى الحقول يعلقون في الاكتظاظات المرورية».
يبدو ان مقطع الشارع الواقع ما بين المحمية والكيبوتس، والذي يبلغ طوله حوالي الكيلومتر والنصف، هو الاغلى في تاريخ اسرائيل. ففي العقد الاخير تم الاستثمار بهذا المقطع فقط، عشرات الملايين من الشواكل، والتي انطمر جزء كبير منها بسبب الانهيارات. ففي العام 2009 فقط تم تدشين جسر جديد وغالي الثمن ولا يوجد مثيله فوق وادي عرجون في هذا المقطع من الشارع. ففي اساسات هذا الجسر تم وضع حوالي 200 مجس الغرض منها التحذير عن حالته. وفي السنوات الاخيرة تعرض الجسر للعديد من الانهيارات وتم إجراء العديد من الاصلاحات عليه. الى ان تم إخراجه مؤخرا من الخدمة، مع المقطع الذي وقع فيه الانهيار.
بعد إغلاق الشارع تم فتح تحويلة ضيقة مؤقتة، والتي سوف يتم استبدالها بعد ثلاثة اشهر بتحويلة جديدة، وهي ايضا ستكون مؤقتة ليس لوقت طويل، الى ان يتم إيجاد حل دائم. ومن بين الحلول التي يتم فحصها: نفق يمر به الشارع من تحت الطبقة الجيولوجية الخطرة، جسر باعمدة عملاقة، جسر معلق او تحويل مجرى الشارع الى الغرب، بالقرب من المحمية الطبيعية. ووفقا لشركة مسارات اسرائيل، فإن اي حل سيتم تبنيه سوف يستلزم استثمارات بمئات الملايين من الشواكل، وربما اكثر من مليار، وكل ذلك، كما هو معروف، لمقطع من الشارع بطول كيلومتر ونصف فقط.
يقول ليونارد كريشنر، مدير مجال النظافة في مسارات اسرائيل، « انها ليس انهيارات فحسب، فهو انهيار كبير للارض على طول 700 متر»، ويقول ديفيد جرينباوم مدير المحمية «لتحويل مسار الشارع سيكون هناك ثمن إضافي، سوف تدفعه الحيوانات في محميات ناحال ديفيد وناحال عروجوت، حيث سيقترب الشارع منها بصورة خطرة. فكل يوم نحن نقوم بجمع كميات من الارانب المدهوسة، ولكن سوف تكون كارثة اكبر عندما نبدأ بجمع الغزلان».
يدعي سكان المنطقة والجيولوجيون ان شركة مسارات اسرائيل فشلت في معالجة الانهيارات. فعلى الرغم من انه من اللحظة التي يقع فيها الانهيار، يتم خلال يومين شق تحويلة جديدة مؤقتة، الا انه كان من الممكن توقع حصول ذلك، والاستعداد له سلفا، وليس ان نصل الى وضع تكون الحركة فيه في عيد الفصح معتمدة على مسار في إتجاه واحد فقط. يقول ايضا، الجيولوجي ايلي ران، الباحث بموضوع الانهيارات ومن سكان عين جدي، لقد كان الاستثمار في الجسر مبالغا فيه فقبل تدشينه قبل 6 سنوات، كان من الممكن معرفة انه لن يعمر طويلا. «الانهيار الذي حصل في شباط الماضي انا اعرفه من سنتين ونصف، وكل شئ كان معروفا سلفا، ولكنهم كانوا غير مبالين». ويضيف الجيولوجي يوفال يرطوب انه يتوجب العمل مع ما تم عمله هناك. ولكن هذا من الصعب على تفهمه وتقبله».
في مسارات اسرائيل يرفضون الانتقادات، ويقولون، انه منذ سنتين يعدون للتحويلة ولكنهم جوبهوا بمعارضة ، ويشكل اساسي من منظمات حماية البيئة الذين تخوفوا على مستقبل المحمية. «ويقول كريشنر «منذ نهاية العام 2012 كنا نعرف ان الاجراء سيلاقي زخما»، «لقد تقدمنا بخطة لاستبدال الشارع الا انها ارجئت بسبب مطالب غير منطقية من انصار البيئة وفقط مؤخرا تمت المصادقة عليها». وفيما يتعلق بالجسر يقول كريشنر ان الوضع الآن يختلف كليا عما كان عليه قبل 6 سنوات، وان الانهيارات في الارض تسببت في انه لا يمكننا الاستمرار في استخدام الشارع بدون علاقة بالجسر.
بعد شهر من إغلاق الشارع وقعت على عين جدي ضربة اضافية، عندما قرر المجلس الاقليمي تمار ومسارات اسرائيل اغلاق شاطئ الاستحمام الاخير المجاني على طول البحر الميت. ومع الشاطئ اغلقت ايضا محطة الوقود، الاكشاك وساحة التخييم الجديدة الذي تم تأسيسها فقط في عيد الانوار. فقد استثمر المجلس الاقليمي 4 ملايين شيكل في إعداد الشاطئ لكي يكون جاهزا في عيد الفصح. ومع إغلاق الشارع استمر المستجمون بالوصول الى المكان مشيا على الاقدام، الى ان قرر احدهم ان ذلك ايضا هو خطر، وتم إغلاق الشاطئ بأكمله مع محطة الوقود والاكشاك وخيمة المنقذ، وتم تطويقها بالاسلاك.
جميع هذا ينضم الى اشجار التمور للكيبوتس ولموقف السيارات وللكرفانات التي هجرت منذ سنوات بسبب الانهيارات. لقد دعا جرينباوم الى الاعتراف بالحقائق: «جميع المنطقة الواقعة الى غرب الشارع الجديد، لن تعود. لقد ماتت. ليس هناك فرق سواء اقاموا قناة مياه او رفعوا سد دغانيا- ان ذلك لن يعود ابدا، لن تكون هنا زراعة ولا سياحة».
بعد عدة التفافات نجحنا بالوصول بالسيارة الى منطقة الشارع المغلق، ورؤية الشاطئ المهجور. «انني مصدوم لرؤية المنطقة هكذا» يقول جرينباوم. «في عيد الفصح العام الفائت كان المكان يعج بغيوم دخان مناقل الشواء من الاعلى».
لقد انهى إغلاق الشاطئ الامكانية الاخيرة للاستحمام بمياه البحر الميت مجانا. هواة الاستحمام في مياه البحر الميت الطبيعية مطالبون بدفع الكثير من اجل العلاج. ففي الشواطئ المنظمة المتبقية يجبون عشرات الشواقل وهناك يضطر المستحمون ان ينزلوا درجات كثيرة او منصات او السفر بمركبات خاصة التي يزداد طول مسارها في كل سنة (في محمية عين جدي). في مناطق الفنادق من الممكن الاستحمام بمياه البحر الميت، ولكن يجب ان نذكر انه ليس استحمام بمياه البحر، بل في بركة اصطناعية اقيمت من قبل مصانع البحر الميت.
وعلى الرغم من الصعوبات، الا ان محمية ناحال ديفيد ممتلئة بالمتنزهين ووفقا لتقديرات جرينباوم، فإن عدد الزوار لهذا العام مشابه لاعداد العام الماضي. فالامطار افادت المنطقة: المستثمرون الكثر زادوا عدد الولادات في قطعان الغزلان التابعة للمحمية وفي هذه الايام بدأت صغار الغزلان بالنزول من قمة الصحراء والالتقاء مع المتنزهين.
يقول هاكر «ان لا اريد انت ابدو كمسكين، ولكن المشهد متشائم وهو ان قصة البحر الميت ستنتهي». قبل حوالي شهرين فإن كل من سافر الى ايلات مر من هنا. جزء منهم توقف وجزء لا، الا ان جميعهم عرف ما هي عين جدي. ماذا سيحصل بعد خمس سنوات، هل سيعرف الناس ماهي عين جدي؟».
«ان المشكلة هي حادث متدحرج، وانت لا تعرف ماذا سيكون عليه الوضع غدا». ويضيف بيران من ماتسبيه شالوم « وانت لا تعرف ماذا سيكون رد الطبيعة».