محمد رفيع
هي خانُ يونس؛ أو (جنيس)..
فيها ومنها واصلَ الكنعانيّون وجودَهم الحضاريّ في أقصى سوريّة الكنعانيّة.
وعلى أرضها أقامَ الكنعانيّون فوقَ حوضِ مائها.
هي لا تُخاتِلُ البحرَ. وإنِ فَعَلَتْ يوماً، فَلِكَي تُكملُ زينتها، قبل أن يصلَ البحرُ إلى رملها. فخان يونس، حين تُريدُ أن تَخدع البحرَ ، بالذهاب إلى حيفا ويافا في الشمال، فهيَ تفعلُ ذلكَ قبيل الفجر، لِتستعيرَ كُحلاً كنعانيّاً لِعرائس البحر، في بحرها؛ بحرُ خان يونس..!
وإذا كانت الأرضُ لا تُحرَثُ إلّا بعُجولها، فسِرُّ خان يونس اليوم ما يزال يُقيمُ على (تلّ العجول)..!
ومِن أقدار خان يونس، أنّها تطوي أحزانَها بسرعة، وتُخبّؤها في لَفائفَ غامضةٍ، في رمل بحرها. لِتأتي عرائسُ البحر، عند الفجر، فتُحيلها إلى تمائمَ سحريّة لِمَن يضلّون طريقهم في المتوسّط ..!؟
حقائق
- بعض المؤرخين يرجّحون أن يكون الاسم القديم لمدينة خان يونس هو (جنيس)، كما ذكرها (هيرودوت). غير أنّ المؤكّد هو أنّ خان يونس الحالية مدينة حديثة النشأة، إذ لا يزيد عمرها عن ستمئة سنة. وقد أرسل السلطان المملوكي برقوق، حامل أختامه، الأمير يونس التوروزي الداوداري لبناء قلعة، وتمّ بناء القلعة التي تحمل اسم برقوق (منقوش على بوابتها 789 هـ الموافق 1387 م).
- خان يونس هي مدينة فلسطينية، ومركز محافظة خان يونس. تقع في الجزء الجنوبي من قطاع غزّة، وتبعد عن القدس مسافة 100 كم إلى الجنوب الغربي. يحدّها من الجنوب مدينة رفح ومن الشمال مدينة دير البلح، وهي مركز محافظة ساحلية تطلّ على البحر الأبيض المتوسط من جهة الغرب ومن الشرق دولة الإحتلال الإسرائيلي.
- تعتبر مدينة خان يونس ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة، من حيث السكان والمساحة، بعد مدينة غزّة، حيث يبلغ عدد سكانها اليوم قرابة 200,000 نسمة، وهو ما يمثل 17% من سكان قطاع غزة. كما تبلغ مساحتها 54 كيلومترا مربعا، ما يجعها واحدة من أكثر المدن الفلسطينية كثافة بالسكان.
- جميع المعطيات الأثرية المتوفرة تدلّ على أنّ الجزء الجنوبيّ من فلسطين، الذي تقع فيه خان يونس موقع القلب، ويُقصد هنا المثلث العمراني، المتمثل في غزة شمالاً، ورفح جنوباً، وتل الفارعة شرقاً، وخان يونس في هذا المثلث، هو المركز الذي توجد فيه إلى الآن قرى ومستوطنات قديمة، مثل؛ خزاعة، وعبسان، ومعن وتقع جميعها شرقي مدينة خان يونس الحالية.
- نزل المعينيّون تجاراً على فلسطين في عهدها الكنعاني، عندما كانت لهم دولة مزدهرة في اليمن بين عام 1300 – 630 ق. م. وكانت قوافلهم تنقل السلع والبضائع من جنوبيّ بلاد العرب إلى شواطيء البحر المتوسط الجنوبية، ومما لا شك فيه أن بطوناً معينة غزت جنوبي فلسطين وكونت لها دولة في منطقة غزّة وحافظت على كيانها إلى عهد الاسكندر الأكبر.
- بعضُ المؤرخين يُرجعون أنّ مدينة خان يونس بُنيت على أنقاض مدينة قديمة كانت تعرف باسم جنيس Jenysus، ذكر هيرودتس أنها تقع جنوبي مدينة غزة في القرن الخامس قبل الميلاد، ولربما تكون أقدم الشواهد الحضارية في خان يونس هي التي قامت على (تل العجول)، جنوبي مدينة غزةّ، في نهاية العصر الحجري الحديث، أي قبل أربعة آلاف سنة ق.م، قد نمت ونشأت تلك الحضارة، في عهدها الكنعاني.
- تلّ العجول مدينة متكاملة، محاطة بأسوار ضخمة، يخترقها نفق، يصل طوله إلى حوالي خمسمائة قدم، كان الأهالي يلجئون إليه، وقت الشدّة. وقد عثر عالم الآثار (فلندرز بيترى)، في هذا الموقع على أساسات، وبقايا مباني، ترجع للألف الثالث ق.م.
- كما نشأت عدد من المدن الرئيسية حول كل من وادي الشريعة، والشلالة، الممتدين باتجاه الشرق والغرب. وبالإضافة إلى هذه الحضارات، التي جاورت خان يونس، ثمّة حضارة نشأت في دير البلح الحالية، وهى موقع لمستوطنة بشرية قديمة، وإلى الجنوب منها اكتشفت مقبرة أثرية، تعود بتاريخها إلى العصر البرونزي الحديث.
- في حوالي العام 1180 ق.م، خضعت المدينة شأنها شأن مدن الساحل الفلسطيني لسيطرة شعوب البحر أو الفلستينيين، حيث بلغت المدن الفلسطينية، التي كانت تحت سيطرتهم، ذروة مجدها الاقتصادي والعمراني، بعد أن انصهر الوافدون الجدد بسكانها الكنعانيين، وظلت خان يونس محتفظة بسماتها الكنعانية، حتى في الفترة التي تضعضعت فيها السيطرة الفلستينية، وغدا جنوب فلسطين يتأرجح بين الطرفين المصري والآشوري.
- كانت المناطق الواقعة جنوب غزة مباشرة قد حكمتها وسيطرت عليها القبائل العربية التي زادت سطوتها بشكل ملحوظ، وكانت أراضيهم معفاة من الضرائب. وقد جاء على لسان هيرودوت، الذي استقر في غزة أواخر القرن الخامس ق.م: (إنّ الأرض الممتدة من جنوب فينيقيا، حتى مدينة غزة، يسكنها سوريون، يسمون بالفلسطينيين، وجميع الموانئ من غزة إلى مدينة أينوسوس، تتبع ملك العرب، وتنتمي للسوريين).
- لم تُعرف خان يونس بشكلها الحالي أي بعد بناء قلعة خان يونس إلا في القرن الرابع عشر الميلادي عندما أنشأ الأمير يونس النوروزي الداوادار في عهد السلطان قايتباي قلعة في هذا الموقع لخدمة التجار والمسافرين وبنيت القلعة على شكل نزل ولذلك أطلق عليها الخان، أقام يونس هذا الخان عام 789 هـ /1387 م على شكل قلعة حصينة متينة الأركان عالية الجدران ولا يزال بعض أبراجها قائماً.
- أعاد المماليك تأسيس المدينة في القرن الرابع عشر، وقد بقيت على حالها تقريبا طيلة فترة الحكم العثماني. لكنها ازدهرت في نهاية تلك الفترة، وقبل الانتداب البريطانيّ على فلسطين، وتحديدا عام 1917. وقد تمّ ضمّها إداريّا إلى مصر مع باقي مدن قطاع غزة عام 1948، ثمّ احتلتها إسرائيل عام 1967، لتبقى تحت الاحتلال حتى عام 1995، حيث أصبحت بعد ذلك مركز محافظة خان يونس التابعة للسلطة الوطينة الفلسطينة.
- اسم المدينة الحاليّ يتكوّن من مقطعين؛ الأول (خان) بمعنى (نُزُل) أو (فندق)، والثاني (يونس) نسبة إلى الأمير (يونس التوروزي الداودار)، حيث ازدهرت، في عهد المماليك، حركة التجارة العالمية عبر دولة المماليك في المشرق العربي. وفي العصر العثماني أخذت الفنادق تحلّ محل الخانات تدريجياً، وانكمشت أهمية الخانات، وبقيَ عدد محدود جداً منها يمارس دوره الوظيفي التقليدي في بعض المدن خلال عصر الانتداب البريطاني على فلسطين.
- الخانات، ومن بينها خان يونس، انتشرت كمحطّات للقوافل التجارية على طول الطرق التي تمرّ فيها، حيث كانت هذه الخانات توفّر للتجار للتجار الأمن والطمأنينة من أخطار اللصوص والمحتالين.
- كانت خان يونس في العهد العثماني، جزءا من قضاء غزة التابع لمتصرفية القدس الشريف. فعند تشكّل الولايات العثمانية قسّمت على النحو التالي؛ مركز لواء القدس (أصبح لاحقا متصرفية القدس الشريف) ويتبعه: قضاء يافا وقضاء بئر السبع وقضاء غزة وقضاء الخليل، وكانت خانيونس تابعه لقضاء غزة، وظل هذا التقسيم معمولا به حتى الانتداب البريطاني على فلسطين، وكانت خان يونس مركز ناحيه تتبعها عدة قرى أهمها: بني سهيلا وعبسان ومعن والمعين وخزاعة بالإضافة إلى رفح ودير البلح والقرارة.
- بدايات تأسيس بلدية في خان يونس تعود إلى عام 1917، إلى أن تأسّست فعليا في عام 1920.
- تعتبر المدينة مركزاً إدارياً وتعليمياً لجنوب قطاع غزة، تتركز فيها الكثير من الدوائر الحكومية، وعشرات المدارس لمختلف المراحل الدراسية للبنين والبنات. كما تعتبر المدينة مخزون الأرض والمياه والمصدر الزراعي لكلّ قطاع غزة، كما تشتهر أيضاً بوجود المزارع المختلفة.
- تمّ إنشاء مدينة متكاملة للإنتاج الإعلامي غربيّ خان يونس في مكان المستوطنات الإسرائيلية التي أخلتها إسرائيل عام 2005 بإنسحابها من قطاع غزة، وهي مدينة أصداء للإنتاج الإعلامي، حيث أنشأت عددا من المشاريع على الأرض داخل المدينة والتي تتواجد فوق مساحة 1020 دونم علي أرضي محررة وتجمع (غوش فطيف) الاستيطاني سابقا. وتتكون من 10 دونمات من المسطحات الخضراء وقرية مائية وملاعب ومدينة ألعاب وحديقة حيوانات ومطاعم، بحيث أصبحت الوجهة السياحية الأولى على مستوى قطاع غزة. كما تمّ تأجير عدد كبير من الدفيئات الزراعية، لتشجيع عمليات الاستثمار الزراعي والاقتصادي، نتيجة الحصار والتضييق وفي ظل منع الكثير من الأدوات الرئيسية في مجال الاستثمار والبناء واعادة الاعمار.
- سلطات الاحتلال استولت على جزء كبير من أراضي المدينة لبناء المستوطنات عليها، وتشكل مجمعة مستعمرات غوش قطيف التي تمتد بطول الساحل ابتداءً من حدود دير البلح إلى الحدود الدولية في رفح أكبر تجمع استيطاني في قطاع غزة، وهي تستولي على معظم أراضي خان يونس الغربية، وكانت تفصل المدينة والمخيم عن شاطئ البحر. بالإضافة إلى وجود عدة مستعمرات أخرى أخرى مثل «نيتسر حزاني» و»جاني طال» و»جان أور» و»جديد» و»مفيه دقاليم». وقد تحررت من الاحتلال في شهر سبتمبر 2005.
- مدينة خان يونس تعاني من مشكلات عدّة، أهمّها؛ عدم توفر شبكات واضحة للبنية التحتية، وخصوصاً شبكة المياة وتصريف الأمطار والصرف الصحيّ، تلوّث مياه الشرب، توقّف المشاريع والإسكان في المدينة بسبب الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال مواد البناء وإعاقة عملية التواصل الإنساني وكافة أشكال الحياة، نقص واضح في الخدمات والمرافق العامة والمتنزهات والمناطق الخضراء، ومشكلة متزايدة في شبكات الطرق حيث لا تزال العديد من الشوارع غير معبدة، وغير مفتوحة، وغير مؤهلة.
- مخيم خان يونس يقع على بعد نحو 2 كيلومتر عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى الشمال من رفح. وهو يقع إلى الغرب من مدينة خان يونس. أُنشئ عام 1949، وبلغت مساحته عند الإنشاء حوالي 549 دونماً، وزادت بعد ذلك إلى 564 دونماً. وفي أعقاب حرب عام 1948، التجأ 35,000 لاجئ إلى المخيم بعد أن فرّوا من منازلهم خلال أعمال العنف، وكان معظمهم من منطقة بئر السبع. ويقطن في مخيم خان يونس اليوم ما يزيد عن 68,000 لاجئ تقريباً.
- تعتبر مدينة خان يونس مخزون الأرض والمياه والمصدر الزراعي لكلّ قطاع غزة، كما تشتهر أيضاً بوجود المزارع المختلفة.. كما تمتاز خان يونس بشاطئها البحري الذي يبلغ طوله حوالي (9) كم، وهذا يكسبها موقعا سياحيّا مميزا، إضافةً لكونها مدينة لها تاريخ عريق، وتعتبر قلعة برقوق فيها من أبرز المعالم التاريخية في قطاع غزة. عانت المدينة من الاحتلال الإسرائيلي ومن مستعمراته التي أعاقت عملية تطور المدينة وأعاقت الكثير من مشاريعها وما تزال.
[email protected]