عمان - محمد جميل خضر - حوار لونيّ بنائيّ دلاليّ خصب، تعكسه أعمال المعرض الجماعيّ «حوارات اللون» الذي افتتح مساء الاثنين الماضي في جاليري 14 لثمانية فنانين، خمسة منهم أردنيين وثلاثة عراقيين.
المعرض الذي توافد إليه في يومه الأول زهاء 200 فنان وناقد وصديق وإعلامي ومهتم، يشتمل في تواصله حتى العاشر من شهر كانون الثاني 2012، على 50 لوحة منجزة بألوان الزيت والأكليريك ومن مواد مختلفة، ويحيل أول ما يحيل إلى خصب اللغة التشكيلية، واتساع أفقها التعبيري الدلالي على غابة مفتوحة من الدلالات وأشكال التقنية، وعلى عدد لا محدود من العلاقات اللونية التي يمكن أن تنشأ كل مرة بمعزل عن سابقاتها.
وفق ما تقدم يعيد الفنانون المحليون: علي عمرو، غسان أبو لبن، غادة دحدلة، عياد النمر وهند ناصر، والفنانون العراقيون: عمار العبيدي، نجلاء الرماحي وثائر كريم، الألق للاختلاف، ويبنون منظوماتهم التشكيلية تحت عنوان الاختلاف في إطار الوحدة. والوحدة التي تجمعهم هنا، هي الولاء لبياض القماش، وإقرار قدرة هذا البياض على التوليد الحيوي المتجدد في كل مرة.
الفنان الأردني غسان أبو لبن، ومستنداً إلى قوة التفجير اللوني في إطار مساحاته داخل فضاء اللوحة، وشكل تجاوراته، وتعدد طبقاته، ووضع حدود وهمية لنهاياته أحياناً، يستعيد في أعماله الأربعة للمعرض مكانة الظلال اللونية المعجونة بماء الزبد.
في سياق وجهة أخرى، أكثر احتفالاً بصفاء اللون، وحدّة وضوحه التعبيري الجلاليّ المهيب داخل الإطار الرسمي التلويني، تشيد الفنانة العراقية نجلاء الرماحي، كتلها اللونية التعبيرية الحيوية الضخمة، لتقول عبرها شيئاً عن بلدها، وعن آلامها. فإذا بلوحتيّ الرماحي تتحولان إلى أفق تأويل مفتوح على الاحتمالات جميعها؛ فربما فيهما رؤوس مقطعة، وربما دماء تسيل، وفوضى أجساد، وانكسارات صلبان، وانعدام تسامح، وربما.. وربما.
التجريد اللوني الفَرِحُ، هو العنوان العريض لأعمال الفنان عياد النمر العشرة، أو ستة منها على الأقل، لأن باقي الأعمال اتخذت مسار الطباعة الأحادية بوعي غرافيكي اسكتشي لم تغب عنه الوجوه الحائرة.
بأناقة معمارية هندست خلالها قواطع الفعل، تبني الفنانة الأردنية غادة دحدلة منظومتها اللونية المستندة إلى مرجعيات عديدة. صناعة الحلم وإنتاج المعنى عنوانان لم يغيبا كثيراً في أعمال دحدلة السبعة.
مفاجأة المعرض الساطعة بالوعود، كان الفنان العراقي عمار العبيدي، بخمسة أعمال، واحد منها جدارية ثلاثية القطع. تجريد هندسي يكاد يتفوق على مدرسته ومدرسيها، قوي التنفيد والتأثير في آن، تناغم مدروس وحريص وفذ بين الألوان الحارّة والباردة. خطوط توصيل وربط ذكية الحركة والتسلل والنفود. سعي واثق متمرد لبلوغ ذروة تعبيرية معمارية لافتة.
وليس بعيداً عن تميّز العبيدي، جاءت أعمال الفنان الأردني علي عمرو نوعية بأجوائها، وعوالمها، وفكرة الهشاشة الاحتجابية للمرأة داخلها. عمرو أنجز أعماله الثلاثة وفق تنقّل غير مسبوق بين الكلاسيكية التي يعتد بها ويتمسك بتفاصيلها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأطراف الجسد الإنساني، بمكحل قدم، أو أصابعه، بمرفق، أو كتف أو كوع، أو ركبة مشغولة بحرفية عالية، ولكن أيضاً بمزج خلاق مع مدارس التشكيل الأخرى، بانسيابية لونية وتداخل تكعيبي تجريدي مشع بالإحساس.
وبالزيت، ترسي الفنانة الأردنية هند ناصر، إشراقات لونية منسابة ومتدفقة بإحساسها، وحرصها، وأناقتها وعراقتها اللافتة.
الفنان العراقي ثائر كريم، يوازن بين مدرستين تشكيليتين: هما المدرسة الألمانية والأخرى الفرنسية. في الأخيرة يحتفي بمقاهٍ، ويجوب أرصفة، ويجوس جوانيات بشر يحتسون ويتأملون ويتقاطعون. فيما يعكس تأثره بالمدرسة الألمانية من خلال علاقات الظل مع النور، ومن خلال الاستفادة من آفاق الكولاج ودلالاته، وذكاء توظيفه داخل علاقات اللوحة وأفيائها. وهو لا يتوقف عند هذا الحد بل يمزج أحياناً بين المدرستين ليخرج بنتائج جديدة ومغايرة وفذة.
