التطيَر... شكل من اشكال التشاؤم الناتج عن سبب.. فقد كانت العرب قديما تتطير...اي تطلق طائرا وتراهن إن مرَ عن اليمين أو عن الشمال ليصاب المنتظر بالتشاؤم أو التفاؤل... ويبدو أن كثيراً من السياسيين او المتعاطين بالسياسة والعمل العام في بلادنا يمارسون ذلك ويصابون بالتطير في تخميناتهم ويضربون اخماسا بأسداس حين ياتي زيد ويذهب عمرو دون سند او دليل.. ما أود أن اقوله هو ان الاجواء التي يحاول البعض نشرها والصيد فيها او التعليق عليها والبناء فوقها ليست قائمة كما يتصورون في ترابنا الوطني ولا حتى في بنائنا الاقتصادي والاجتماعي رغم اننا نتأثر سريعا بمحيطنا العربي ولا نستطيع ان نضع رؤوسنا في الرمل امام رياح السموم التي تهب باسم التغيير والتي بشرت بها وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كونداليزا رايس باسم «الفوضى الخلاقة» وتبشر بها الان «مدام كلينتون» باسم رياح التغيير لسنا نبتا شيطانيا ولا نباتا مزروعا في الاصص او الشرفات او فوق الماء او مثل شجر البابايا الذي لا جذور له فان هبت الريح مال ووقع. ما اريد ان اقوله ايضا وبوضوح اكثر ان نظامنا السياسي مستقر ولا يقاس بالحكومات التي تتغير بسرعة وسهولة في الاردن فالحكومات في تغيرها ليست مقياس الاستقرار، فالاستقرار هو في النظام الملكي الذي يقوده الملك وهو الآن في المملكة الرابعة بعد استمرار الممالك الهاشمية منذ عام 1921 في الإمارة وإلى اليوم لقد شهد الأردن في تاريخه حقباً صاخبة وأخرى هادئة وتقلبات خارجية أثرت عليه وداخلية استطاع أن يحتويها..ولأنني لا أريد أن تذهب هذه المقالة للتاريخ فلن أتوقف عند محطات معروفة من هذا النوع أو تلك ولكنني أريد أن أقول للمتطيرين عن قصد وغير قصد ان نظامنا السياسي مرن ولديه قدرة كبيرة على الإحتواء كما انه قادر أن يفتح باب المحاسبة والمكاشفة وأن يصلح الخطأ حتى بعد ان يقع وأن يتدبر وسائل وآليات اتقاء المخاطر واستباقها.. لست متشائماً كما تحاول بعض المجالس ان تغرق جالسيها في التشاؤم أو تلوح لهم بأمثلة من الخارج أو الداخل أو ببيانٍ يصدر هنا وآخر يوزع وثالث على شكل رسائل أو رابع يرتبط بشخص يطل علينا إطلالة البوم او ينعق كما الغربان.. نعم نتفهم النقد وندعو إليه على قاعدة الحرص والإصلاح.. ورغم الثنائية الأردنية وطابع الهوية المختلط والمتشكل واختلاف الشرائح الحضارية وحضور نمط البداوة في السلوك والقرار ورغم تفاعل التيارات السياسية بين المحافظة والدينية التي تريد ان تسحبنا للوراء والمنفتحة الليبرالية التي تريد أن تقفز بنا في الهواء إلا أن الجذر الثابت ما زال قادراً ان يجعل الأوراق خضراء والزهر يتفتح وما زالت شجرتنا قادرة على استلهام المناخ والتعايش حتى مع الصحراء وممارسة الحياة بشكل جيد.. نظامنا السياسي مستقر وقادر على العمل حتى في أصعب الظروف لأن الرصيد الذي توفره له المسيرة الهاشمية من القدرة على العدالة والتوازن والحكمة قادر ان يوصلنا ويمررنا من المزالق الصعبة التي بدأت تفرض على المنطقة أو لنقل تزرع في المنطقة التي فرضت عليها حصارات وظروف صعبة لتهيء للقادم على حساب قضاياها وشعوبها.. ما نتحلى به من حكمة ومرونة وحرص وولاء للتراب الوطني وللقيادة التاريخية للهاشميين يجب ان نتمثله الآن دون رطانة او تجذيف ودون ادعاء الحكمة بأثر رجعي في نصائح مجانية على الهواء أو في السراديب تحاول النيل أكثر مما تحاول الإصلاح.. امكانياتنا الاقتصادية محدودة نعم وما حدث من ذوبان للطبقة الوسطى واعتراء التركيبة الاجتماعية والسياسية من فساد ناتج عن اختلاط السياسة بالمال وشراء المواقع او بيعها في تبديل لعبة كراسي المال مع السياسة والسياسة مع المال وقد دخلت علينا بثقافات جديدة وخرائط ما زالت تفرد..كل ذلك لم يصب عودنا القوي وما زالت أعراضاً يمكن التخلص منها مهما كانت الصورة التي يحاول المتشائمون رسمها.. ما زال بلدنا بخير وفيه الخير وما زالت قيادتنا واعية وقادرة ومرنة ومستعدة للإصلاح والتغيير بعمق..فالشارع يوالي الهاشميين ويلتف حول الملك والصراعات ما زالت محصورة في حلقات يمكن تفكيكها وفي مراكز يمكن فضحها ومصادرة نفوذها..الصراع ليس في الشارع الأردني فهو بسيط ونظيف دائما في دوائر محددة واجندات خاصة بدأت تُفضح والرئيس البخيت الذي كان في حكومته السابقة مكبلاً بجملة من التدخلات لن يكون الآن هو نفسه حتى مع ازدياد الأعباء وصعوبة الظرف وكثرة المتطيرين ومزايدة بعض القوى السياسية التي تؤمن بالإستقواء.. [email protected]