الشـك.. !

الشـك.. !

عند اي سن يتعلم الانسان الشك؟!

متى يصاب الانسان بعلة « الشك»؟!

يبرز هذان السؤالان اللذان يهزان القيم ويبعثان فيها القلق، ونحن نكتشف ان ليس في دنيانا من يزعم ببراءته من شك اطاح ذات موقف، بما كان عنده يقيناً لا يأتيه « شك» لنصل بالتداعيات الى السؤال : الشك موروث ام مكتسب؟ بمعنى هل هناك من هو شكاك بطبيعته ومن هو شكاك بالتعلم؟ يختلط الامر عند كثيرين حين نضع امامهم مصفوفة : الشك... الريبة... وسوء الظن... ذلك ان عناصر هذه المصفوفة، تبدو للوهلة الاولى متشابهة حين ننظر اليها عبر مسافات متساوية.

الفلسفة... توقفت طويلاً عند الشك كموقف وعي انساني، فأكدت بداية انه لم يكن نقطة البداية عند الانسان كما انه اكثر المواقف التي ينتجها الوعي الانساني في الحياة، وبأشكال متنوعة والوان متعددة، و بقي الارتاب التوأم السيامي المرتبط بسوء الظن، هذان توأمان تعاونا على انتاج موقف واحد، حتى لا تقع شبهة تؤدي الى الطعن في صوابيه انتاجهما.

هكذا قالت الفلسفة « ان الشك خطوة ضرورية لا بد منها وصولاً الى اقرب المواقع لليقين « . فصار الشك البوابة التي يجب المرور عبرها الى مواقع اليقين، بمعنى انه عليك ان تشك اولاً، ثم اما ان يسقط الشك وتحوز اليقين او يكون العكس فيغتال الشك اليقين و يبقى وحده سيد الموقف، هنا نجد انفسنا امـام « شك» ايجابي قد يكون مقدمة تفضي الى يقين وتسقط الشك، او توجب البحث عن معادلة اخرى توصل الى ما نبحث عنه من يقين، الا ان هذا لا ينفي شكاً يقتل يقينا كان مطلقا حين يتأكد الشك الذي احاط بيقين كان مفروغاً منه مثل شك تسرب الى قلب زوجة، فتابعت شكها لتكتشف «صدق شكها» في زوج كان مطلق يقين.

اما « الظن» الذي يأتي احياناً، صورة اخرى من «الشك»، فالمدخل اليه انما يكون مدهوناً بالسوء، هكذا كان اغلب الظن «سيئ»، في حين يكون بناء « ظن حسن» صعباً لا يتوفر بالسهولة التي نصل فيها الى سوء الظن الذي، ينتج اشكاليات ومشاكل نعزوها غالباً الى «الظن السيء» وحين نتذكر قوله تعالى : « ان بعض الظن اثم» في محاولة لبناء قيمة اخلاقية تؤكد ان الاصل « اليقين « القائم على الثقة نجد ان من يسكنهم الظن السيئ يتساءلون :

اذا كان بعض الظن اثماً، فهذا يعني ان هناك بعضاً آخر... ليس باثم ، فماذا يكون؟ هم يطرحون هذا السؤال ليجدوا منفذاً لجواب صاغوه يقول ان هذا البعض الآخر « فطنه» لتعود المركبة الى حيث كانت، عند منابع الشك، على اي حال، فان توأمة الشك والريبة التي انتجت التوأم السيامي « الظن المريب « انما جاءت نتاج مواقف عديدة ، حاولت الهروب من «حالة الشك» التي ربما استوطن النفس فصار مرضاً مزمنا مقيماً لافكاك منه، وعندها تسقط الذات في متاهات فقدان اليقين... انظروا الى حياة من اصابهم مرض الشك.

يبقى القول دون ادنى شك... ان الشك يتغذى على الثقة التي يلتهمها ثم يسكن حيث كانت هذه الثقة ويجلب معه « القلق... والاضطراب... والهواجس» التي تحيل ضياء الحياة الى عتمة عمياء.

الترياق الشافي من داء الشك ومرض سوء الظن انما يكون : حواراً وشفافية وانفتاحاً وصدقاً واعترافاً بخصوصية الآخر، هذه الاعشاب البرية الطبيعية التي ان تمت رعايتها والعناية بها فانها قد تعيد الثقة ... هذه الثقة التي وحدها القادرة على ان تصرع الشك.

الى الذين اضاناهم الشك فجعل نهارهم قلقاً... وليلهم هماً ووهماً نقول :

الشك... والظن... والريبة، لم تسكن ابداً نفوساً تنمو فيها نباتات الثقة.

suha.hafez@yahoo.com