ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني الكلمة الرئيسية، في حوار «المنامة السابع» الذي عقد في الرابع من هذا الشهر، تحت عنوان «قمة المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية حول الأمن الإقليمي». وهو من الحوارات الهامّة التي تعقد على المستوى الدولي. وعادةً ما يشارك فيها مفكرون وأكاديميون من العديد من الدول، وقد تميّز هذه المرّة بحضور مجموعة من السياسيين، كان على رأسهم جلالة الملك. كما شارك وزراء خارجية أمريكا وإيران وفلسطين وعدد من ممثلي الدول المشتبكة بصورة او بأخرى في الصراعات في المنطقة. وكعادته، إستعان جلالته بكل الخبرة التاريخية التي تجمعت لديه، ووظّف جميع المعارف والاستشرافات التي يملكها، ليقول للمشاركين، وللعالم من ورائهم، إن هذه المنطقة تقع في قلب العالم، وفي قلب الأحداث، وبالتالي فإن أي إضطراب فيها سيقود إلى إضطراب دولي مستعر. وإن أي سلم فيها هو سلم لكل دول العالم وشعوبه. لذلك لابد من العمل الجاد والصادق والأمين في سبيل تجنيب المنطقة، وبالتالي العالم، ويلات التطرف ومصائب الحروب والصراعات التي لم تغادر جنبات الدنيا منذ زمن طويل. إن تحقيق الأمن القومي والإقليمي يشترط أولاً وجود إرادة عليا، صادقة وقادرة، ثم الإلتزام بقرار الإبتعاد عن الفشل الذي سيؤدي إلى تلاشي «الإيمان» بالمفاوضات وبالحلول السليمة، لأن هذا الفشل سيقود، بالضرورة، إلى ترسيخ التطرف من قبل جميع الاطراف. لقد جاءت هذه الإشارة في الخطاب الملكي متطابقة مع كل التطورات والتحوّلات التي نشهدها في المنطقة، خاصة ماتضمنه البيان الذي ورد من واشنطن قبل أيام والذي أكد أن إسرائيل قد رفضت بشكل قاطع كل الدعوات الأمريكية لوقف الإستيطان، وبالتالي رفض إستئناف مفاوضات السلام. إن الراصد لحقائق المرحلة يجد أن جلالة الملك قد لمس، وبشكل مباشر وواضح، أصل القضية ومكوّنات الأزمة، فحذّر من أن فرصة إختيار السلام لن تعود ممكنة إن لم تلتقطها كل الأطراف؛ الإسرائيلية والامريكية والأوروبية في هذه المرحلة. أما الجانب العربي فقد صاغ مساهمته وتصوره ورؤيته وقدّمها على شكل ما عرف «بالمبادرة العربية». هذه المبادرة التي لن تعود صالحة إذا ما استمر رفضها من الجانب الإسرائيلي وإهمالها من الجانب الأمريكي وتجاهلها من الجانب الأوروبي. لذا قال جلالته بأن هذه المبادرة لن تبقى مطروحة على الطاولة طويلاً، بعد أن تبيّن أن لها أعداءا كثيرين يترصدون بها. ومن هنا نبّه جلالته إلى أن بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائليين، كما يريدها الأمريكيّون والأوروبيون، أمر ليس في متناول اليد، لصعوبته بل واستمالته، لأن الجانب الإسرائيلي لا يريد ذلك ولايسعى إلى تحقيقه، وهذا سيجعل البديل هو خسارتنا للسلام وبالتالي إنفجار المزيد من الصراعات. كما سيضع المعتدلين وأصحاب العقول في الوطن العربي، في موقف ضعيف، بعد أن يعطي المتطرفين قصب السبق، ويجعلهم أصحاب الرأي المتقدم، وذلك لأنهم سيعتمدون على حقيقة أن إسرائيل ومن يساندها من قوى دولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ترفض السلام، بل وتذهب إلى أبعد من ذلك إذ يطرحون مبادرات للحرب واستخدام القوّة. لقد قال جلالة الملك إن الصراعات القادمة لن يقتصر تهديدها على أطراف المنطقة، بل ستصل نيرانها إلى أمريكا وأوروبا وأجزاء كثيرة من العالم، وستصطلي بسعيرها كل المبادئ والمفاهيم والمُثل والقيم الإنسانية التي عملت المجتمعات الدولية طويلاً على سبيل وضعها ورعايتها. قال جلالته ما قال وقد أُعْذِر من أنْذَر!!