في مطار جدة سألني أحد الذين التقيت بهم من المسؤولين عن جامعة سويسرية تدرس فنون الطهي في عمان.. حاول أن يتذكر وقال أنه زار موقعها وأن ما منعه من تسجيل ابنه حين عرف بها عدم استكمال أوراقه..لم أكن أعرف ولكني استأذنته لأسأل مكتبي، فكان الجواب أن هذه الأكاديمية هي بإدارة وإشراف جامعة «Les Roches» السويسرية المتخصصة عالمياً بالبرامج الفندقية وتمنح شهادة الدبلوم في فنون الطهي ولديها اعتماد في هذا المجال وأن جلالة الملك كان افتتحها واهتم بفكرتها قبل أن تنطلق عام 2008..وأرادها على المستوى الذي عليه الجامعة الأم السويسرية.. سؤال الرجل أثار في نفسي مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالتعليم المهني في بلدنا والذي يمتلك موارد بشرية هائلة وقادرة أن تنجز الكثير فالرهان عندنا هو على الإنسان الأردني الذي ظل الأشقاء العرب يتطلعون لدوره وإنجازه بكثير من التقدير في الخارج وحتى هنا في الداخل وقد سرني قول الأمير السعودي محمد بن خالد العبد الله الفيصل أمس الأول في افتتاح المكتب الإقليمي ل (الفيصلية للأنظمة الطبية) في دابوق برعاية وزير الصحة الدكتور نايف الفايز حين أثنى أحد الصحفيين على لغة الأمير العربية الجميلة التي تحدث بها فقال: «الفضل في ذلك لأساتذتي الأردنيين الذين علموني هذه اللغة صغيراً»..!! السؤال عن « الأكاديمية الملكية لفنون الطهي « وغيرها من الأكاديميات والجامعات والمعاهد والكليات في مجالات وتخصصات عديدة يقصدها الطلاب العرب وغير العرب للدراسة هنا، وكذلك ما توصل إليه الأردن من خلق بيئة طبية وعلاجية أنجزتها عشرات المستشفيات الخاصة والعامة بما توفر من مجموعات كبيرة من أطباء الإختصاص، كل ذلك يثير سؤالاً..كيف يمكن تعظيم هذه الإنجازات وتسويقها؟ وكيف يمكن إبراز صورة الأردن من خلال هذا البعد الاستثماري الاقتصادي الخدمي الذي يمكن المراهنة عليه في خلق فرص العمل وفي استقطاب العرب بجعل الأردن وجهة صحية طبية وكذلك تعليمية وسياحية.. ما زالت لدينا مشكلة اعادة انتاج بيئة التعليم العالي من خلال إعادة توزيع الطلاب على المؤسسات التعليمية بأولويات وطنية تجعل هرم التعليم العالي يجلس على قاعدته ولا يكون مقلوباً فليس من المعقول أن تكون الأعداد المتجهة الى الجامعات للحصول على شهادات بعضها نظري أكثر من الأعداد المتجهة للتعليم المهني والمعاهد المهنية ممن يحصلون على الثانوية العامة.. إذن هناك خلل لا بد من إصلاحه ولا بد من إعادة الإعتبار للتعليم المهني ليكون الأكثر قدرة على استقطاب الطلاب حين يدركون أنه يوفر لهم الهدف الذي ينشدونه وهو تسليحهم بالمهنة التي يطلبها سوق العمل في الداخل والخارج..فقد ظل طلابنا ينفضَون في معظمهم عن التعليم المهني في تخصصاته المختلفة لضعف مستوى الخريجين ولعدم توفر فرص العمل لهم في الخارج تحديداً ولكون معظم المساقات نظرية لا تلزم للمهنة التي يريدونها حيث الخلط غير المبرر ما بين الجوانب التدريبية العملية والجوانب النظرية وحيث الإنفاق المتواضع على التدريب.. سررت أن تذكر الأكاديمية الملكية لفنون الطهي في الخارج وأن تكون مقصودة للدراسة وقد استعملتها كنموذج لمراكز ممتازة ومتفوقة في بلدنا وأخرى ما زال يساق لها الطلاب حين لا يجدون مقعداً جامعياً..ومع ذلك لا يذهبون، فكليات المجتمع العديدة في بلدنا فقدت كثيراً مبررات استمرارها إن بقيت على هذه الشاكلة وقد علمت أخيراً أن هناك خططاً عديدة وبرامج جديدة وهامة في التعليم العالي سيجري انفاذها وطرحها لتخليص الواقع التدريبي المهني ومراكزه وكلياته مما أصابها من ضعف وتخلف.. إن التعليم العالي يبنى أولاً من الحاجات الوطنية وسوقها ومن التأهيل المناسب الذي يسلح صاحبه بمهن ويكون قادراً على الإنجاز بدقة وعندها سنرى التزاحم على أبواب المعاهد ذات الدبلوم وعلى التعليم المهني بشكل يفوق هذا التزاحم المزعج على الجامعات التي لم تعد تستوعب.. أذكر فقط أن الذين يصنعون الساعات السويسرية الشهيرة هم خريجوا معاهد مهنية وليس جامعات وأن التعليم المهني مكلف لجهة التدريب أكثر من النظري..ومن هنا تبدأ المعادلة..!! [email protected]
