عبثاً يحاول رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية (ذات الجذور الكتائبية كما يجب التنويه) الظهور بمظهر الزعيم والمنظّر والسياسي, ودائماً ما يحصد الفشل, لأنه في الاساس انعزالي التفكير وميليشياوي المقاربة والتطبيق والتوجه.. لهذا لم ينجح يوم أول من أمس, في استدراج عروض للقبول به في نادي السياسيين الكبار او الطامحين للقب رجل الدولة, بل بقي كما كان عندما ظهر لأول مرة تابعاً لـِ «معلمه» بشير الجميّل, قبل أن يتمرد عليه ثم يهتبل فرصة اغتياله لتصفية أو إبعاد من تبقى من اركان حرب هذه الميليشيات الفاشية, ذات العلاقة المشبوهة والتاريخية (...) مع اسرائيل, لينفرد بقيادة «القوات» وليحاول ايجاد حيّثية له في المشهد اللبناني, ولم يحرز نجاحاً الا في الدخول لنادي لوردات الحرب وزعمائها, محسوباً على أكثر الفئات اللبنانية الطائفية انغلاقاً وانعزالاً وتقوقعاً, حتى بعد أن تم حل «القوات» وتسليم أسلحتها والحكم عليه بالسجن وخروجه بعد أحد عشر عاماً خلف القضبان وفي أقبية وزارة الدفاع اللبنانية في «اليرزة», في اطار صفقة سياسية مشبوهة لم تكن سوى نتاج «الانقلاب» الذي قادته قوى اليمين اللبناني, المرتبط بالمشروع الاميركي للمنطقة (الشرق الاوسط الجديد) مستفيدة من المناخات المحتقنة والمشاعر المُسْتَفَزّة, التي تأججت بعد اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005, لكن هزيمة المشروع الاميركي وأفول نجمه بعد الهزائم المتلاحقة في العراق ولبنان وافغانستان وغزة, أوقف «زخم» هذا الانقلاب, لكنه لم يهزمه ولم يفتّ في عضد اركانه رغم كل ما لحق بهم من نكسات وتراجع, وهم يجدون في حال عدم اليقين والاحتمالات المفتوحة لحماقة اميركية اسرائيلية جديدة (في اتجاه لبنان وسوريا وربما ايران), ناهيك عن الاخطاء بل الخطايا التي تقع فيها المعارضة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله, وخطواته غير المدروسة كما هي في حادثة برج أبي حيدر على سبيل المثال, وربما في «عرّاضة المطار» التي يمكن وصفها بالخطأ «المقصود».. تمنح أشرعة قوى 14 اذار, رياحاً جديدة في انتظار صدور القرار الظني, الذي يراهن كثيرون في تلك القوى أن مفاعيله ستكون انقلابية (في موازين القوى والتحالفات والمعادلات الاقليمية), فيما يقلل غيرهم (داخل 14 اذار وخارجها) من اثر ذلك, لأن احداً لن يغامر بالدخول الى لعبة مخاطرها هائلة وأكلافها باهظة, وهي في النهاية ستخضع لمنطق التسويات والصفقات, على النحو الذي لخّصه السفير الفرنسي في بيروت عندما قال: إن اتهام حزب الله بقتل الحريري «لن» يكون.. نهاية الدنيا!! ماذا عن جعجع؟.. حشد الزعيم الميليشياوي رهطاً لا بأس به من انصاره, وإن كان الجمهور الذي حضر احتفالات القوات بيوم ما يوصف بشهداء المقاومة (...) هو الجمهور نفسه الذي يواظب جعجع على حشده, دون زيادة نوعية أو كيفية وإن كان هذه المرة «طعّمه» بوجوه من تكتل «لبنان اولاً», أو في واقع الحال من المحسوبين على تيار المستقبل واولئك الذين يدورون في فلك الامانة العامة لقوى 14 اذار, التي فقدت ما تبقى من بريقها وحضورها ولم يعد دورها يتعدى اصدار «بيانات» مكررة في اللغة والمفردات والخطاب, لا يحفل كثيرون بمتابعتها أو التوقف عندها, بعد أن غدا العنوان محصوراً بزعيم تيار المستقبل سعد الحريري, وخصوصاً بعد أن أعلن الرجل عبر جريدة الشرق الاوسط, عن «التضليل» الذي مارسه شهود الزور (اعتراف لأول مرة من وليّ الدم) في تخريب العلاقة مع سوريا والاساءة اليها.. جعجع في احتفال 25 ايلول, اراد الظهور كزعيم مسيحي, تحاصره (أو يهجس بها) زعامة الجنرال ميشال عون, حيث ارتقى الاخير, بمواقفه وخطابه الى مستويات أعلى وأكثر رحابة وانفتاحاً وقراءة عميقة ودقيقة للمستقبل, كان آخر تجلياتها رسالته العميقة المعاني والدلالات الى البابا بينديكتوس السادس عشر والسينودس من أجل المشرق والمشرقيين.. متوجها الى البابا بالقول «من الخطأ مقاربة الواقع المشرقي الحالي من منطلق أقليات وأكثريات, فهذه البلاد (يضيف الجنرال) منذ فجر التاريخ, هي ثمرة تراكم معرفي ثقافي لشعوب كثيرة وديانات شتى منذ ما قبل التوحيد».. مقاربة شمولية وفاحصة يطرحها زعيم التيار الوطني الحر, فيما يلعب سمير جعجع على الوتر الطائفي والعصب المذهبي, ويخاطب المسيحيين (...) داعياً إياهم الى «الالتقاء على حد أدنى من المبادئ السياسية, منطلقين من الثوابت المسيحية التاريخية».. أي ثوابت مسيحية؟ ما ماهيتها؟ لا أحد يعرف, إلا أنها في «قاموس جعجع» الذي يقطر خطابه دماً وانعزالية, معروفة تماماً وهي كما وصفها أنصار الجنرال, دعوة للقتل السياسي.. ثمة خطر عظيم يتهدد لبنان, احتمالات السقوط في هاوية المواجهة واردة في كل لحظة, ما دام سمير جعجع الذي ادانته المحاكم بالقتل, يُنظّر لقوى 14 اذار, التي ما تزال عاجزة حتى اللحظة, عن استخلاص دروس وعبر السنوات الخمس الماضي, وخصوصاً ان «وجود لبنان» هو الموضوع على طاولة, لعبة الأمم, الدائرة الان وبضراوة في المنطقة بأسرها.. وعليها.. [email protected]