من قيم الإسلام الرحمة والرفق

لقد جعلت التشريعات الإسلامية الرحمة والرفق خياراً مبدئياً، واعتبرته ركناً أساسياً مهماً يقوم عليه الهدى الحضاري الإسلامي، فرسالة الإسلام جاءت رحمة للعالمين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين «،لا بل جعلت الرحمة شعيرة من الشعائر التي تدل على عمق إيمان الشخص وامتثاله لأوامر الله عزوجل، ومن المعلوم أن لفظ الرحمة ومشتقاته جاء ثلاثمائة مرة في القرآن الكريم، الأمر الذي يدل على اتساع المساحة التي تشغلها الرحمة في الحياة الدينية والإنسانية، فالرحمة مظهر يدل على حسن الخلق، وعلى نضج انسانية الإنسان، ورسوخ مشاعر الإخاء الإنساني في الضمائر. فالمؤمن الحق هو الذي يجسد الرحمة في واقع حياته من خلال علاقته بأخيه الإنسان، ومع كل من يشاركه العيش في هذا الكون من حيوان وجماد، فالرحمة قيمة من القيم الحضارية الإسلامية الثمينة والأصيلة التي ميزت هذه الحضارة عن بقية الحضارات، لأن ممارسة المسلم لها يمثل شكلاً من أشكال العبادة، وطريقاً من الطرق الموصلة إلى الجنة، فقد أثنى رب العزة على المؤمنين الذين يتواصون بالصبر والمرحمة، قال تعالى :» ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، أولئك أصحاب الميمنة». أما الرفق فقد قدمته الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بعدة صيغ منها: اللين والعفو وخفض الجناح والصفح، وجاءت عشرات الأحاديث التي تدعو إلى الرفق والرحمة، والتي منها على سبيل المثال :»إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه :،وقوله عليه السلام :»إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه «،وقد شكلت هذه التوجيهات الإسلامية دستوراً أخلاقياً عظيماً يكفل لكل من يعش في هذا الكون العدالة والكرامة والرحمة، فشعار حضارة الإسلام «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء «،ومن «لا يرحم لا يرحم». لقد أرست الحضارة الإسلامية الأساس الأول لمبدأ الرفق بالحيوان، منذ أن بزغ نورها، خلافاً لما يظنه البعض أنه من وضع الحضارة الغربية، التي أخذت هذا المبدأ وطورته ونظمته تنظيماً دقيقاً، حتى صار الرفق بالحيوان من مزاياهم، وتوهم أبناء المسلمين أن الحضارة الإسلامية لم تعرف في يوم من الأيام هذه النظم والتشريعات التي تكفل للحيوان مثل هذه الرعاية. إن اللبنة الأولى التي قامت عليها الحضارة الغربية المعاصرة كانت تجارة الرقيق، حيث كانوا يباغتون القرى الإفريقية على حين غرة فيأخذون ما يشاؤون من الشباب والنساء، وسط تضرع الأطفال وبكاء النساء والشيوخ، فيفصلون بين الطفل وأمه والوالد وولده دون أدنى وخز للضمير ومراعاة لأي شعيرة من شعائر الرحمة، ناهيك عما عانته وما زالت تعانيه البشرية من شناعة وبشاعة وفظاعة السلوك الوحشي من خلال الحروب المتعاقبة العالمية منها والإقليمية، وما زالت لآثارها السوداء تشهد على قسوة هذه الحضارة على هذا الكون بإنسانه وحيوانه ونباته وجماده، وما حل بفلسطين والعراق وأفغانستان ليس ببعيد. إن الحضارة الغربية التي ألهت العلم والمال بدلاً من الله تعالى جعلها تصاب بحالة من الفصام والتناقض المريع في سلوكها الحضاري، فعندما غابت الروابط الإنسانية والروحية بين أفراد مجتمعاتها، وغدت المادة توجه سلوكهم بشكل عام، وراح هؤلاء الأفراد ممن يعانون من الجوع العاطفي، ودفئ الروابط الاجتماعية يبحثون عن الارتباط بالحيوانات، فأسكنوها بيوتهم، وانفقوا عليها بسخاء، وبنوا لها الفنادق، إلى غير ذلك من الشواهد التي تؤكد بأن هذه القيمة الاخلاقية ( الرفق بالحيوان ) لم تكن ذات جذر تاريخي أو عقدي في يوم من الايام في الحضارة الغربية، بل أنها توضح بشكل جلي ما تعانيه هذه الحضارة المادية من أزمة أخلاقية ستكون عاملاً من عوامل تدهورها عاجلاً أم آجلاً، وهذا هو الفرق بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية التي جعلت من الرفق بالحيوان شعيرة من شعائرها التي يترتب على ممارستها الأجر والثواب ودخول الجنة. هذا ما أحدثته رسالة الاسلام من تهذيب للنفوس حتى غدت مرهفة الاحساس، سليمة الوجدان، تتصف بالرقة والشفافية مع كل من يشاركها الحياة في هذا الكون الفسيح فلا غلظة ولا جفاء، ولا ظلم ولا عدوان على هذه المخلوقات من انسان أو حيوان، والتي تمنح هذا الوجود الحركة والجمال وتسبح الله لا فرق بين مخلوق وآخر، وصدق الله العظيم: «وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً». [email protected]