فيما يتواصل التلعثم العربي وينفتح المشهد «كل يوم» على تراجعات عربية تنبئ عن انهيارات وشيكة وتشيع اجواء من التشاؤم والاحباط وخصوصاً ان «المعارضات» العربية ما تزال تعيش هي الاخرى حال الارتباك وانعدام الخيال والقدرة على اجتراح اساليب ومقاربات ابداعية، تنجح من خلالها وعبرها في استعادة ثقة الجماهير والحد من عزوفها الواضح عن الانخراط في العمل السياسي والحزبي وفي الآن ذاته في استغلال لحظات ضعف الانظمة وخواء نُخبها وبرامجها، لانتزاع بعض المكاسب على صعيد الحريات العامة واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون ووقف النهب العام والمكافحة الجادة للفساد، رغم كل ما تحاول بعض الانظمة اظهاره من تماسك واستخدام مفرط للقوة في مواجهة التحركات المطلبية التي بدأت تفرض نفسها على المشهد العربي الراهن، بعد ان وصلت الامور او كادت الى نقطة اللاعودة وباتت «المواجهة» هي الخيار الوحيد لأن الاحتقان وصل الذروة وافلاس معظم الانظمة، لم تعد كل «المعالجات» الاعلامية وتلك التعبوية قادرة على اخفائه او التستر عليه. ما علينا.. في الزمن العربي الرديء الراهن، تخرج علينا تل ابيب بل قبلها واشنطن (كما ينبغي التذكير) بأنباء مثيرة تزف الينا «بشرى» الاختراع العسكري الاسرائيلي الجديد المسمى «القبة الحديدية» والمكرس اصلاً لاعتراض القذائف الصاروخية متوسطة المدى، الامر الذي يعني، كما اراد «زافّو» الخبر الذي جاء اولاً من واشنطن، انعدام او شطب التهديد الذي تمثله صواريخ القسام من قطاع غزة، وبالتالي بعض انواع صواريخ الكاتيوشا قصيرة ومتوسطة المدى التي استخدمها حزب الله في حرب تموز 2006. لا تغضب اسرائيل بطبيعة الحال، لأن من كشف نجاح التجارب على نظام «القبة الحديدية» هي الولايات المتحدة الاميركية، لأن واشنطن «ام الصبي» اي انها مولت المشروع بأكثر من مئتي مليون دولار اي انها صاحبة المشروع وليس مجرد ممول وان ما قامت به الصناعات العسكرية الاسرائيلية (رفائيل) هو ما يقوم به «مقاول الباطن»، وإن كان في النهاية ستؤول ملكيته الى اسرائيل، تماماً كما كانت الحال مع صاروخ حيتس او (Arrow) بالانجليزية او السهم بالعربية، والذي يتكتم الطرفان حول النتائج النهائية للتجارب التي اجريت عليه، وكانت آخر تجربة قد فشلت في اعتراض الصاروخ المقصود، علماً ان منظومة «حيتس» صممت للتصدي للصواريخ الباليستية (سكود) وهي - كما قيل - نسخة «محسنة» من صاروخ باترويوت، الذي لم يثبت جدارته في حرب العام 1991 وراج مؤخراً ان الجيل الثاني والثالث منه اكثر دقة في اكتشاف الصواريخ العادية واسقاطها قبل وصولها هدفها.. المهم في اسرائيل يدور نقاش، آخذ في التصاعد، حول جدوى وفعالية هذا الصاروخ، بل ان أسرة تحرير صحيفة «هاآرتس» تساءلت في افتتاحيتها غداة الاعلان عن انتهاء التجارب على منظومة «قبة حديدية» عن سر الأمر الذي وقف خلف تَقَصُّد وزارة الدفاع، تزامن نشر «البيان» مع ساعة بث الاخبار في التلفزيون، ثم ما لبثت ان سخرت من تصريحات سابقة لمدير مكتب ارئيل شارون، عندما وصف الصواريخ التي تطلق من غزة وجنوب لبنان، بأنها «اغراض متطايرة»، ثم جاء اعلان «بشرى» قبة حديدية ليعكس مدى تأثير هذه الصواريخ حد «اجتذاب» الجيش الاسرائيلي الى حملة كبيرة في غزة, ولأكثر من شهر من إمطار السلاح على اسرائيل من لبنان قبل اربع سنوات.. اللافت في كل هذه الاشارات، ليس فقط القول ان حكومات اسرائيل تعترف بأنها اخطأت في تحديد الاولويات وفي توزيع المقدرات، داخل المنظومة الامنية وانما «ايضاً» الذهاب بعيداً في القول ان وسائل الاطلاق، الصواريخ، الرادارات، والغرف القيادية ستكون لـِ(العرض) وليس للاستخدام.. في الاتجاه التشكيكي ذاته، بقدرة «قبة حديدية» على مواجهة صواريخ غزة وجنوب لبنان، يقول رؤبين بدهتسور في مقال بعنوان: «لا ينبغي ايهام سديروت».. «.. من غير ان نقلل من الانجاز التقني المدهش لمهندسي رفائيل، خوفنا هو ان جهاز الامن يغرس في الجمهور اوهاماً».. مستطرداً «.. فبسبب الزمن القصير لطيران وصواريخ القسام التي تطلق مثلاً من بيت حانون على سديروت، يصعب على النظام إبطالها».. ثم يقول: «ان طلبي للحصول من جهاز الامن على تفضيلات تتعلق بمدى الصواريخ التي استعملت عليها «القبة الحديدية» في التجارب الاخيرة لم تستجب، خالصاً الى النتيجة التالية: «في حين ان الفرح للانجاز التقني حق.. يجب ان نتذكر ان «القبة الحديدية» لا تعطي حلاً لـ (جميع التهديدات) وأنها أبعد من ذلك بكثير، إن من يحاولون عرض ذلك على هذا النحو، يضلون الحقيقة ويوهمون من يثقون بها» ختم بدهتسور.. واذا ما اضفنا كلفة صاروخ القبة الحديدية الذي يصل الى خمسين الف دولار بأقل من مائة دولار لصاروخ القسام او ثمانية آلاف دولار لصاروخ غراد، فاننا امام استنزاف اقتصادي واضح، لكن ذلك كله لا يلغي حقيقة ان اسرائيل تواصل العمل على استخلاص الدروس والعبر من مغامراتها وحروبها، وتبدي استعداداً لمغامرات وحروب اخرى، فيما معظم العرب يواصلون الانثناء والانتظار، واعتبار السلام خياراً استراتيجياً، مع عدو يرى في «قوته» ضمانة لمزيد من التوسع وفرض الامر الواقع. [email protected]
