يبدو أن العالم بأسره وليست مجتمعاتنا العربية فقط يشهد نكوصا خرافي المذاق، فها هو أخطبوط ألمانيا يتنبأ وتصدق نبوءاته التي أعتقد أن وراءها سرا لا يتعلق بالأخطبوط ولا بالطعام الذي يقدم إليه وإنما بأشخاص أو جهات لديها السر في جعله يختار دولة دون أخرى.
أخطبوطهم أو مشعوذهم البحري كان البديل أو البديل الظاهري عن القراءات والتحليلات والتوقعات المبنية على أسس واقعية في قراءة المشهد الرياضي.
لكن ماذا عنا نحن العرب؟ نحن المتفرجين وقد رصدت اهتمام الناس بمقولات الأخطبوط وتنبؤاته إلى درجة أصبح فيها السؤال : ماذا قال الأخطبوط بدلا من ماذا تتوقع؟ وهذا لا شك منح أدمغتنا المكتظة مساحة للاستراحة من التفكير بأمور قد تكون أكثر أهمية، ما هو أكثر أهمية قد يكون في التفكير على كيفية الحصول على أخطبوط عربي التنبؤات، فمجتمعاتنا تشهد نوعا من الارتداد نحو الغيبيات ونحو التنبؤات وتلهث وراء من يدعون علم الغيب، فالهزيمة أو مجموعة الهزائم ليست سياسية فقط وإنما هنالك هزائم نفسية وضعف وإحباط عام وراء انتعاش هذه الظاهرة ، لكن لو تخيلنا أن هنالك أخطبوطا عربيا ومتخصصا بالتنبؤ بالحالة العربية الراهنة ، ترى ما هي الأسئلة التي قد تطرح عليه؟ وكيف سيكون مقياسا للتعرف على اهتماماتنا وهل سيكون سببا في نزاعات عربية عربية للإستئثار به؟ وهل سنبذل ما استطعنا من جهد من أجل جعله أخطبوطا مضللا «بكسر اللام الأولى وفتحها» ؟ أعتقد بأن السؤال العربي العام سيكون: من هي الدولة المرشحة لتشهد ثالث احتلال ومتى سنعاود مشاهدة المجازر من جديد؟ وكم هم عدد الضحايا المحتملين؟ ففي مجتمعات اعتادت الظلم وتكيفت مع القمع والاستعباد لن تكون الأسئلة المحتملة حول النصر أكثر مما هي حول الهزائم المتوقعة.
ولنفترض على سبيل الخيال العلمي بأن المانيا ستقوم باستنساخ اخطبوطات صغيرة وتأسيس مزارع تصدر منها أخطبوطات صغيرة تكون كالهاتف المحمول في يد كل واحد منا، ماذا ستكون الأسئلة الأكثر تداولا؟ وما هي المحاور الشخصية الأكثر أهمية ؟
الأسئلة قد تتمركز وتتمحور نحو الآخر أكثر من تمركزها حول الأنا، لأن مقياس نجاح الأنا لدى كثيرين يعتمد على ما يصل له الآخر من نجاح أو إخفاق، فبدلا من أن يسأله أحدهم هل سأرتقي في عملي فقد يسأله هل سيرتقي فلان زميلي في عمله؟ وبدلا من أن يسأله هل سأحقق ظهورا ونجاحا وأقطف ثمار تلميع ذاتي سيكون السؤال: هل سيسطع نجم فلان أكثر؟ وتلك هي مأساتنا أو إحدى مآسينا التي لا نشعر بها، غير أنني أعتقد وعلى سبيل الخيال أيضا أن أخطبوطاتنا الخاصة ستصل إلى مرحلة تتعطل فيها حواسها لاستشعار الحقائق وتطالب بالعودة إلى ألمانيا لنعود نحن إلى أخطبوطاتنا الآدمية التي اعتدناها وترضينا دوما تنبؤاتها ، قارئو وقارئات الكف، قارئات الفنجان، وكل من يدعي بأنه يعرف ما سيكون ويوجهنا لا شعوريا لتحقيق نبوءاته
maisa_rose@yahoo.com