ليست صدفة ? ربما ? العودة المفاجئة واللافتة لرئيس حكومة تصريف الأعمال (مضى عليها اكثر من سنتين) الفلسطينية، سلام فياض الى الاضواء، مطلقاً «فيضاً» من التصريحات عبر وسائل اعلامية مختلفة، في الوقت الذي يختفي فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رغم ما قيل عن وعكة صحية او عارض يستدعي الراحة لمدة اسبوع، بعد مشاركته في قمة سرت ثم عاد الى صمته الذي نحسبه صمتاً سياسياً اكثر منه صحياً، او لقضاء فترة نقاهة.. عودة الى فياض.. سلام فياض الذي يكاد ان يكون «اللاعب» الوحيد على الساحة الفلسطينية، تراه في بلعين ثم يذهب شمالاً ليقف خلف محراث يدوي (يجره بغل) لتنقل الفضائيات رئيس وزراء انيق بملابس فاخرة يستجيب لدعوات التشجيع وتلك الناصحة له بأن يمسك جيداً وبساعدين قويين، حتى تنغرس «السكة» في التراب الذي لم يكن صدفة انه «احمر وناعم».. رئيس الوزراء الذي واصل منصبه رغم اعتراض حزب السلطة (فتح) ورغم حملات الانتقاد المكثفة التي طالته والتي وصل بعضها الى حد التخوين و»سرقة» انجازات الثورة وغيرها من الاوصاف، خرج على الناس بمقابلتين صحيفيتين احداهما مع صحيفة «هاارتس» (عدد الجمعة الذي يسمى في اسرائيل عدد السبت وهو الاكثر توزيعاً) ثم تلاه يوم امس السبت (وعبر الهاتف) مع صحيفة «الشرق الأسوط اللندنية» (لا تنسوا خطابه الشهير امام منتدى هرتسيليا والذي حظي بتصفيق طويل، وقوفاً من الحاضرين). في حديثه الى «هاارتس» كان فياض ناعماً ومهادناً وتميزت مفرداته بالهدوء وهو امر يمكن تفهمه من خلال رجل قضى معظم حياته المهنية في اروقة منظمات دولية ذات خطاب يتكئ على البراغماتية ويمارس اقصى انواع الخداع والمناورة وغيرها من الاساليب والمقاربات التي توصف بالدهاء والحكمة (الاستعمارية) وغيرها.. لكن فياض هنا لا يتحدث في محاضرة مالية او عن تجربته في الصندوق او البنك الدوليين.. الرجل يتحدث عن مشروعه (حتى لا نقول المشروع الوطني الفلسطيني لأن فصيلاً في منظمة التحرير لم يوافق على دولة فياض العتيدة) وهو هنا يتحدث عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسلطيني، وهنا يمكن الوقوف عند المعاني والدلالات السياسية التي انطوى عليها حديثه الى هاارتس وخصوصاً في «غزله» اللافت لـ «الصهيونية» الذي يرى «ان لا مشكلة له مع الفكرة الصهيونية» ولم يكتف بذلك بل اضاف «.. ولا مشكلة لي مع الاعتقاد بأن «اسرائيل هي بلاد التوراة».. أي كرم هذا اذا ما اضفنا اليه قوله «.. لدينا قيم عالمية مشتركة»؟.. لعل فياض هنا يتحدث عن قيم التسامح والنزاهة والعدالة والالتزام الاسرائيلي المعلن والمطبق ميدانياً بالقانون الدولي والقانون الانساني والدولي واتفاقية جنيف الرابعة.. سلام فياض المسكون بهاجس الدولة التي لا يعلم احد (غير صاحبها بالطبع) عن مستقبلها وملامحها ووضعها القانوني وفي الاساس حدودها.. يشطب في جرة قلم مسألة اللاجئين وحق العودة ويقول في عبارة صريحة غير قابلة للتأويل: «.. بالطبع ? نحن نعد للبنية التحتية لاستيعاب اللاجئين .. سيكون للفلسطينيين الحق في السكن داخل دولة فلسطين».. هل ثمة حاجة للمزيد؟.. نعم في حديثه الى صحيفة الشرق الاوسط يقول فياض: الجانب الاسرائيلي يشعر بالضيق حالياً (..) وعندما يسأله الصحفي في تهذيب عن المعارضة الفلسطينية لمشروعه يخرج الرجل الدبلوماسي والهادئ والسلامي (...) عن طوره ليصف هؤلاء بالانهزامية وليقول: انها انهزامية متأصلة عند بعض الفلسطينيين.. الرجل الذي يعترف بأن ليس لديه ضمانات دولية (المشروعة بالطبع) بل كما يزعم، «قبول» دولي، يدعو الانهزاميين الفلسطينيين: الى البحث بين السطور عما هو بين السطور.. من المهم (حتى تعرفوا ما بين السطور) قراءة المقابلتين في هاارتس (الجمعة 2/4) وفي الشرق الاوسط (السبت 3/4) وقبل كل ذلك عودوا الى ما قاله الرجل امام منتدى هرتسليا.. عندها يمكن للمرء ان يقرأ الاتجاهات وطبيعة الفكرة الفياضية (كما وصفها توماس فريدمان).. وربما يتكهن بالوجهة التي يريد الرجل اخذ المشروع الوطني الفلسطيني ... نحوها!!. [email protected]