أولى الهاشميون مدينة القدس جُل اهتمامهم، وبذلوا جهوداً مضنية في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس، فكان بيت المقدس موضع الاهتمام في الثورة العربية الكبرى، والقضية الرئيسية في مراسلات الشريف الحسين بن علي مع السير مكماهون، حيث أقرت المراسلات بحدود الدولة العربية الكبرى بما فيها الحرم القدسي الشريف.
ومنذ عام 1924م، تأكدت الوصاية على دور الملك الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس وإعمارها منذ عام 1924م، واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى يومنا هذا.
وانطلاقا من البيعة التي بموجبها انعقدت الوصاية على الأماكن المقدسة للشريف الحسين بن علي، والتي تأكدت بمبايعته في الحادي عشر من شهر آذار سنة 1924م، من قبل أهل القدس وفلسطين، وقد آلت الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين بما في ذلك بطريركية الروم الأورثوذكس المقدسية التي تخضع للقانون الأردني رقم 27 لسنة 1958.
وللحرم القدسي الشريف مكانة كبيرة في قلوب الهاشميين؛ حيث بدأ إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة منذ عهد الشريف الحسين بن علي الذي تبرع عام 1924م، بمبلغ أربعة وعشرين ألف ليرة ذهبية، وتزداد مكانة الحرم القدسي الشريف في قلب ملك العرب من وصيته أن يدفن في حرم المسجد الأقصى وتحقق له ذلك، ففي الساعة الخامسة مساءً من يوم الرابع من حزيران عام 1931م، كان جثمان الشريف يأخذ مكاناً مناسباً داخل الحرم.
ففي عهد الملك المؤسس خاض الجيش العربي الأردني الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948م، فكان الوحيد من بين الجيوش العربية، الذي احتفظ بالسيطرة على القدس القديمة واللطرون وباب الواد ورام الله، وجسد شهداء جيشنا مثال التضحية والفداء.
فعلى عتبة المسجد الأقصى وقبة الصخرة استشهد الملك المؤسس في العشرين من تموز سنة 1951م، بعد مرور خمسة عشر شهراً على إعلان الوحدة بين الأردن وفلسطين، أما في عهد الملك الحسين بن طلال، فقد أمر بتشكيل لجنة لإعمار الأماكن المقدسة في القدس عرفت بقانون «إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة رقم 32 لسنة 1954م»، حيث بدأ تنفيذ ألإعمار الهاشمي منذ سنة 1958م.
وفي عام 1969م، تعرض المسجد الأقصى للحريق، على يد الإسرائيلي دنيس روهان، حيث تمكنت لجنة الإعمار الهاشمي من إعادة المسجد الأقصى عما كان عليه قبل الحريق، وبمواصفات عالمية، وحصلت اللجنة على جائزة الأغاخان العالمية للعمارة.
وفي عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، وضعت اللوحة الزخرفية الأولى على منبر صلاح الدين عام 2002م، حيث بادرت لجنة الإعمار بوضع التصاميم الهندسية لإعادة تصميم المنبر على صورته الحقيقية، وكان (المنبر قد صنع) من العاج والأبنوس في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1187م، وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني عام 2007م، أُعيدت صناعته من خشب الأرز المعشق، وتم تنصيبه في المسجد الأقصى بكلفة مالية نحو مليوني دينار، وبلغت الموازنة الأردنية لمشاريع إعمار الحرم القدسي الشريف خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، وحتى نهاية العقد الأول من هذا القرن نحو 600 مليون دولار، شاملة لموازنة دائرة الأوقاف في القدس، والمحاكم الشرعية وحراسة المسجد الأقصى وموظفيه.
واستناداً لنصوص التصريح الرسمي الصادر بتاريخ 31 تموز من عام 1988 عن جلالة الملك الحسين بن طلال، صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، والخاص بفك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية الذي استثنى الأماكن المقدسة في القدس من فك الارتباط، وفي 28 حزيران من عام 1994 صدر عن الحكومة الأردنية تصريح بخصوص دورها في القدس، والذي أعاد تأكيد موقف الأردن، ودوره التاريخي على الأماكن المقدسة.
وفي عمان الموافق 31/3/2013م، تم توقيع اتفاقية الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس حيث جاءت الاتفاقية انطلاقاً من العروة الوثقى بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، وذلك نظراً لمكانة القدس في الإسلام كمدينة مقدسة ومباركة، وانطلاقا من الأهمية الدينية العليا للمسجد الأقصى المبارك.
إن رعاية ملك المملكة الأردنية الهاشمية المستمرة للأماكن المقدسة في القدس تجعله أقدر على العمل للدفاع عن المقدسات الإسلامية، وصيانة المسجد الأقصى. وحيث أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والقانوني الوحيد للشعب الفلسطيني، وإيمانا بأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره يتجسد في إقامة دولته التي يشمل إقليمها الأرض الواقع فيها المسجد الأقصى المبارك.
وبناء على توقيع اتفاقية الوصاية 2013م، يعمل جلالة الملك عبد الله الثاني على بذل الجهود للرعاية والحفاظ على الأماكن المقدسة في القدس، بهدف تأكيد حرية جميع المسلمين في الانتقال إليها، وأداء العبادة فيها، وإدارتها وصيانتها بهدف تقدير مكانتها وأهميتها الدينية والمحافظة عليها، وتأكيد الهوية الإسلامية الصحيحة والمحافظة على الطابع المقدس للأماكن المقدسة، وتعزيز أهميتها الحضارية، ومتابعة مصالح الأماكن المقدسة، وقضاياها في المحافل الدولية، وتتيح الاتفاقية لجلالته الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها وفقا لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية.
ويبذل ملك المملكة الأردنية الهاشمية، بصفته صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس المساعي للتوصل إلى تنفيذ جميع المهام المتعلقة بالحرم القدسي الشريف، وتعترف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور ملك المملكة الأردنية الهاشمية تجاه القدس، وتلتزمان باحترامه.
وتجسد حكومة دولة فلسطين، حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وممارسة السيادة على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس، ويسعى ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والرئيس الفلسطيني للتنسيق والتشاور حول موضوع الأماكن المقدسة.
وتعد هذه الاتفاقية الأولى التي يوقعها جلالة الملك عبدالله الثاني كوصي على الاوقاف والمقدسات في مدينة القدس مع الرئيس الفلسطيني, وفي ذلك دعم للموقف الاسلامي، ونيابة عن الأمة الإسلامية لوقف اي اعتداءات اسرائيلية وإعطاء قوة ومنعة للمدافعين في المدينة، واتخاذ جميع الاجراءات سواء كانت قانونية أو إدارية للحفاظ على أملاك الأوقاف جميعها.
وتؤكد الاتفاقية بمضامينها على الوصاية الهاشمية التي هي وصاية موصولة جاءت لتضع الامور في مكانها المناسب، وما توقيع جلالة الملك عليها الا تأكيد على حرصه على حماية المسجد الاقصى في ظرف يتعرض فيه المس للخطر.
إن توقيع الاتفاقية على الوصاية الهاشمية يعزز موقف الاردن في مواجهة هذا التحدي خاصة لدى المجتمع الدولي الأمر الذي يحتاج الى تضافر جهود الأمة العربية والإسلامية لمساعدته في سبيل الحفاظ على المسجد المبارك وباقي المقدسات في مدينة القدس.
لا شك أن تجديد الوصاية الدينية للهاشميين يشكل بداية لإجراءات عملية لاحقة تبحث مستقبل القدس وسكانها وسيادتها ووضعها، الأمر الذي يضعها على طاولة المفاوضات من جديد. وتعبر الاتفاقية عن قوة وحدة الصف بين الأردن وفلسطين، وهي خطوة جديدة لتعزيز التاريخ المشترك والعلاقة الأبدية بين البلدين، وتأكيداً على دور الأردن في حماية رعاية المدينة، والحفاظ على هويتها العربية والإسلامية.
رئيس قسم التاريخ
جامعة الزرقاء