وليد سليمان - عدسة: اسامة العقاربة - هلّت متعة الأرض بجمال مشهدها البهي ، وبدأت إطلالات الربيع تعزف ألحانها العذبة على أرضنا الطيبة وداخل نفوسنا المتعبة ، تعال وانظر جيداً الى فضاءاتنا المزينة بأزهارها البرية الحمراء والصفراء والليلكية ، وبأوراق شجرها وبراعمها الندية ، فقد أخذت رائحة الدفء والأرض تنادينا هلموا إلى النزهات والرحلات الساحرة بالمرح والانعتاق من الروتين ومن برد فصل الشتاء لتجديد روح الحياة والنشاط فينا .
ومع بدء رحلات الربيع فان العديد من الأسر والعائلات وطلاب المدارس أخذوا بالتوجه في أيام العطل الاسبوعية بنزهاتهم إلى مناطق عديدة كالأغوار ، حيث المزارع والحقول والبحار والمناطق الحرجية هنا وهناك، ومن الناس في وطننا الاردن من يغامر أيضاً بالتوجه إلى مناطق اخرى ربما يكون الطقس فيها متقلباً في هذه الفترة ما بين الحرارة وبعض البرودة أو الاعتدال الجوي، ومن الاماكن الاخرى مثلاً : مناطق عجلون وجرش والسلط ومأدبا وأم قيس .
التجهيز للرحلات
وتبدأ بعض العائلات بالاستعداد والتخطيط لرحلاتهم قبل الانطلاق إلى المناطق الجملية منذ اسبوع مثلاً، او يوم أو يومين وذلك بتجهيز متطلبات الرحلة من لحوم وأطعمة وغيرها من الفاكهة والمكسرات والحلويات ، وأدوات شواء اللحوم والدجاج كمناقل الفحم ، والفحم والماء والعصير والاطباق والمفارش والكراسي الصغيرة ، وبعض أدوات الرياضة والتسلية ، كورق اللعب الشدة وطاولة الزهر والمجلات والكتب للقراءة وأشرطة الغناء وبعض الآلات الموسيقية مثلاً لمن يحسن العزف عليها لكن طبلة الايقاع لا بد منها .
ومن المفاجآت التي تحصل أثناء الرحلات وخلال إعداد الطعام -في الغالب يكون من مشاوي اللحوم على الفحم- ان بعض العائلات تكتشف وهم في طور الاعداد لكأس الشاي والقهوة انهم نسوا إحضار السكر ، أو ملح الطعام ، أو بعض التسالي وأدوات اللعب في البيت.
وفي الرحلات هذه تبرز روح التعاون ما بين أفراد الأسرة حيث يشترك الجميع من أب وأم وأولاد وبنات في اعداد الاطعمة والاشربة الساخنة من شاي وقهوة ، و تجهيز أماكن الجلوس وفرشها بالأغطية والحُصر .
روح المرح
وبسبب تلك التجمعات العائلية من افراد الاسرة وبعض الاقارب والجيران والاصدقاء في بعض الرحلات تظهر العديد من قيم ومعاني المحبة والألفة والتواصل واللطف من خلال الاحاديث الودية والمسلية، ومن خلال اشتراكهم وسماعهم للاغاني من أفواه بعضهم او من المسجلات او من أحدهم الذي يجيد العزف على العود او الجيتار او الربابة . وهناك أيضاً من المتنزهين من يفضلون ممارسة الألعاب الذهنية المسلية كلعب الورق –الشدة- وطاولة الزهر والشطرنج ،حيث تنتشر التعليقات والقفشات من هنا وهناك لينتشي الجميع بالضحكات والسرور التي تزيد من استمتاعهم بالرحلة مابين حشائش الطبيعة وأشجارها اللطيفة المنظر والظلال .
أمّا الشباب والصغار فلهم اللعب بالكرات كالقدم والطائرة وألعاب أخرى ، وهم منطلقين بعفوية السعادة وبحرية الحركة ومن فوقهم تسبح نسمات الهواء النقي والمفيد ما بينهم وبين أشجار البطم والسنديان والخروب واللزاب والقيقب .
أماكن كثيرة
في بلادنا الكثير من أماكن النزهات والترويح للكبار والصغار مثل حدائق الحيوانات والطيور والحدائق والمتنزهات العامة ومدن الالعاب والملاهي والأماكن الأثرية والدينية والقلاع والغابات والمحميات المختلفة وشواطئ البحار والمياه المعدنية والمساحات الشاسعة بالإخضرار والأحراج ليستمتع بالذهاب إليها .
في عمان
وبعض «عائلات «عمان التي ربما لا تستطيع الخروج بعيداً في رحلات الربيع فإن أقرب مكان تكسوه الاعشاب والازهار البرية وشقائق النعمان –الحنون- يكون مناسباً لهم للجلوس فيه لقضاء اوقات ترفيهية منعشة ،مع إعداد الطعام المنزلي الشهي مثلاً ،وسط هرج ومرج الصغار مع ألعابهم المسلية المحببة .
ومن تلك الاماكن في قلب وأطراف مدينة عمان مثلاً :خلدا ،تلال عبدون ،جبل الزهور ،عين غزال ،ضاحية الياسمين ،جوانب شارع الاستقلال ،وطريق مرج الحمام ،وطريق وادي السير وياجوز وابو نصير والمقابلين وأماكن أخرى عديدة .
أزهار الدحنون
ومن أجمل المشاهد للعين في هذه الايام كثرة إنتشار الازهار البرية بكل الالون وبالذات ورد الحنون –شقائق النعمان الاحمر اللون- الذي ينمو في كل جبال ووديان وسهول الاردن .
وزهرة الحنون من الزهور الضاربة قصصها في تاريخنا العربي ، حيث ارتبطت بروعتها وسحر جمالها بتلك الشخصية الشهيرة «الملك النعمان بن المنذر» أحد ملوك الحيرة الذي عشق هذه الزهرة البرية الحمراء الرقيقة فقد استحسن هذا الملك تلك الزهور جداً حتى أنه أمر بزراعتها حول قصره الشهير «الخورنق» كما أنه أوصى بحماية الحنون من عبث اقتطافها ، وتلك الوردة والتي يوحي منظرها بالمحبة والتي تنمو عادة بين الاعشاب بعد نزول الامطار في الشتاء ما زالت تخلب النفوس بلونها الاحمر الناري منذ آلاف السنين وحتى الآن .
فن التعامل
ومما يجدر ذكره عند القيام بالرحلات هو أنها ليست فقط للترفيه والتسلية فهي أيضاً للمعرفة وزيادة الوعي الثقافي والحضاري بما حولنا من أماكن هامة في بلدنا الاردن .
ففي أثناء سيرنا بالسيارات نلاحظ العديد من المعالم التاريخية العريقة العربية كالاسلامية والمسيحية وغيرها ايضاً الاقدم ، فهناك مزارات الصحابة والقادة والأولياء ، وبعض الأماكن التي عاش او مرَّ بها الانبياء كسيدنا محمد وعيسى وألياس ويحيى وموسى ،وكذلك القادة مثل صلاح الدين الايوبي وموسى بن نصير فاتح الاندلس .
ومن كمال الرحلات أنه على أبناء الوطن وغيرهم أن يظهروا الاسلوب الحضاري في تعاملهم مع بيئتهم وطبيعتهم وأماكنهم التاريخية العالمية الهامة وذلك بعدم الاعتداء على الاشجار والحرص على تنظيف المكان الذي جلسوا فيه من مخلفات الرحلة وإطفاء نار الفحم والحطب الذي أشعلوه قبل مغادرة المكان ، .ثم معاملة السياح العرب والاجانب بكل محبة وتقديم المساعدة لهم .
ثم الحذر على الصغار من لعبهم بالقرب من التجمعات المائية ورؤوس الجبال والاماكن الخطرة ،كي تنتهي الرحلة بخير وسعادة وسلام وبذكريات جميلة .
