هناك أسئلة ذات علاقة باللغة مطروحةٌ منذ زمان بعيد حتى لم يعد أحد جاداً في انتظار الاجابات عليها: مثلا ما دام الجمعة يوم نهاية الاسبوع والراحة والمغزى الديني حتى لو كان في اللغة قبل الاسلام فلماذا الأيام التالية تبدأ بالسبت ودلالته العبرية معروفة ويجيء الثاني (الاحد) والثالث (الاثنين) .. الخ في تغاير مع الارقام !؟ ولماذا شهورنا (العربية) لا نعرف معانيها ولا تقنعنُا التفسيراتُ البدائية الساذجة التي استنبطها البعض لها أو التغييرات التي كان اجراها القذافي على اسمائها ؟ والمعاجم لا تزيد على القول إن شباط وآذار ونيسان وايار وتموز وايلول من اصل سرياني، أما تشرين وكانون فلم نستدل على أصلهما ؟ ثم ألا يربكنا أن كانون ( الثاني ) هو أول شهر في السنة ولا يأتي كانون ( الأول ) إلا في اخرها !؟ ومع ذلك فلا اعتراض لنا على ما تعودناه ودرجنا على استعماله منذ أن دخل على لغتنا كما دخل على غيرها بالطبع عدد لا يحصى من المفردات، وربما كثر هذا ( الدخول ) في العصر الصناعي ثم تزايد بدرجة متسارعة في عصر المعرفة الرقمية الذي نعيشه، لكن اعتراضنا منصبٌّ على أننا تلكأنا كثيرا في اللحاق بالآخرين فيما يتعلق بضرورة تطوير لغتنا ووجوب نحت آلاف الكلمات التي جدت على ساحة الاستعمال في كل مجال، بما لا يعني التهاون في قيمها التراثية ولا الاساءة لاصولها، فهكذا اللغات كلها لا يمكن أن تبقى على حالها وإلا قصّرت عن اداء وظيفتها الاساسية كوسيلة للتواصل بين الناس، ومن أبسط الادلة على ذلك أن الانجليزية التي كتبها شيكسبير ليست نفسها لغة ال BBC الآن، ولو قرأتم صحيفة التايمز اللندنية في اعدادها الاولى قبل اكثر من مائتي عام واستعرضتم الصحف البريطانية هذه الايام لادركتم الفرق الذي أعنيه، ولغتنا العربية نفسها في البدء لم تكن منقطة الحروف ثم فرض التنقيطُ نفسَه عليها من أجل فهم أسرع وأيسر، كما أن أكثر كتبنا القديمة كانت جملها مرسلة متتابعة دون فواصل أو نقط أو علامات استفهام أو تعجب على الاطلاق، وأن تشكيل بعض كلماتها قد تغير مع الزمن بلا سبب واضح فالبَداوة كانت بِداوه، والحَضارة كانت حِضارة !
ولعلي أضم صوتي لاصوات الشاكين من صعوباتٍ غير منطقية في قواعد اللغة تحبطهم إذ تشعرهم بأنهم لا يمكن أن يكونوا قادرين على الكتابة السليمة فحتى لو أتقنوا رفع الفاعل ونصب المفعول فأنهم يتحيرون عند تذكير الرقم مع المؤنث وتأنيثه مع المذكر، أو امام قاعدة الهمزة في وسط الكلمة إذ تبدو لهم في بعض الاحيان منافيةً للنسق والانسجام مثل ( قرأوا ) التي يُفترض أن تكون ( قرؤوا ) لذلك يتجاوزها الكثير منهم ! ناهيك عن حيرتهم حيال المعارك (!) غير المحسومة بين الذين يقولون بصحة ( سنوات الخمسينات والستينات.. الخ ) والذين يصرون على أنها خمسينيات وستينيات وهي أصلاً كلمات لم تكن رائجة في لغتنا قبل بضعة عقود، لكنها ترجمت عن الانجليزية من Sixties .. etc وFifties وهي ( اسماء ) لا من Sixtiethو Fiftieth وهي (صفات) . أو لدى القائلين بالتقويم لا التقييم وأيهما أصح، علماً بأن المصدر يمكن أن يٌشتق من الاسم كما من الفعل، وأيهما أبلغ، السبب الرئيسي أو الرئيس ؟! وأخيراً لا آخراً يثير سخريتهم الخلاف الذكوري الطابع حول النائبة في البرلمان بالاصرار على أنها (نائب) ورئيسة مجلس الادارة بأنها ( رئيس ) !
وبعد .. فنحن لا ننوي أن نٌقلق (!) مجامع اللغة العربية بهذه الاسئلة والامثلة ( الصغيرة ) التي تواجه اهل العربية كل يوم لأنها مشغولة بمهمة ( كبيرة ) هي المحافظة على عفة اللغة كجسد مقدس لا يمس بدل أن تتعهدها بالتطوير والتحديث والتعديل وهي مهام مستمرة يتصدى للقيام بها – دون انتظار الاذن من اي جهة – ( العاملون ) في الكتابة والطباعة والنشر والصحافة ووكالات الانباء (الاجنبية خصوصاً) فيشتقّون وينحتون ويجتهدون ! ومن أراد دليلاً فليقرأ روايات عربية جديدة مثل ( محال ) آخر ما كتب يوسف زيدان ليشهد جمال المفردات الحديثة ويزداد إيمانا بقدرة هذه اللغة على البقاء ومسايرة العصر .
Email: zaidhamzeh@orange.jo
Twitter: @drzaidhamzeh