قال الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز قبل موته:. (إن لي نفسا تواقة، وما حققت شيئا إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها). نفس تواقة .. آه .. وألف آه من الحروف الذهبية والمعنى.. آه، كم لهاتين الكلمتين من معنى كبير، معنى يذهب بنا صوب اللامحدود، اللامحدود في الفكر والعمل، الفكر والعمل اللذان يذهبان بنا إلى سعادة ما في ايام حياتنا، سعادة (ربما) تفوق العقل البشري وتصوراته وتطلعاته. لن أقول أني كنت في حل تام في حياتي من (حالة يأس) تنتاب أي إنسان في العالم، لكنني مصمم على (مبدأ) النفس التواقة، فكيف تكون الحياة دون ان تكون لنا (أنفس تواقة)، أو حتى، كيف سنستمر في الحياة بكامل تفاصيلها، والحياة مرتبطة ارتباطا وثيقا بهذا (المبدأ)، المبدأ الذي أصر عليه سيد البشر (محمد عليه السلام)، وصار معه في ايام حياته التي شهدت عواقب وحواجز ومتاعب لا تحصى ولا تعد، المبدأ الذي علمه لأصحابه وزوجاته ولبناته، ولكل من عرفه، ليكون بمثابة (خارطة طريق) لهم في الحياة، فهو (القدوة)، وان لم يكن هو القدوة، فمن يكون؟!. بدأت المقال بكلمات تبعث الأمل بداخل كل من يلتقط حروفها الذهبية ويعيها، كلمات لخليفة أحبه وأحب تفاصيل حياته المدهشة، وهو ذاته الخليفة الذي روي عنه انه كتب لرفيق له يدعى ( عمر بن عبد الله بن عتبة) يعزيه في أبيه، فقال: (أما بعد؛ فإنا قوم من أهل الآخرة، سكنـا الدنيا.. أموات أبناء أموات، فالعجب كل العجب لميـت يكتب إلى ميـت، يعزيه عن ميـت)!. كيف التوافق؟!.. كيف الربط بين الكلمات؟!.. كيف الحصول على المعنى؟!. هذا هو (ابن عبد العزيز)، شخص اتسم بأناقة الكلمات، يفهمنا معنى الحياة بشكل أكثر من صحيح، يفهمنا، كيف الاهتمام بالحياة (التي نسكن) والسعي لتحقيق المبتغى منها (بما يرضي رب البشرية)، الاهتمام بالحياة وأعيننا صوب الآخرة (التي نحن من أهلها)، الآخرة التي هي حياتنا الحقيقة، وهي المقر الدائم لنا، وكأنه يحدثنا عن سعادتين، واحدة في الدنيا،يشاركنا فيها أشخاص ومناصب وأماكن (تكون على صلة بالله)، وأخرى (حقيقية) مرتبطة بالله بكل شيء، لا بغيره، وهي بمثابة الهدف الكبير الذي خلقنا لأجله، ونعيش لأجله. تبقى فكرة الحديث.. كم هي القبور مليئة بأشخاص لا نستطيع الاستغناء عنهم، وعن كلماتهم وأفعالهم ومنهج حياتهم بالمجمل، كم نحن بحاجة إلى أقوال وأفعال الأموات لكي تدلنا على سلوك الحياة الأسلم، والطريقة الامثل للوصول إلى السعادة الحقيقة.. كم نحن بحاجة لان تكون لنا (أنفس تواقة). [email protected]