ماكس فر انكل - بعد فوز كتابها (الكولاك) Gulag بجائزة البوليتزر، والذي تروي فيه الفضائع الرهيبة التي ارتكبتها الة الرعب في العهد الستاليني، تقدم لنا أن ابليبيوم اليوم كتابا جديدا عن الستار الحديدي Iron Curtain وتروي فيه الجهود الوحشية لنفس الآلة في سحق واستعمار اوربا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية.
ومرة اخرى تلجأ المؤلفة إلى الوثائق وإلى اجراء المقابلات مع بعض الناجين من فترة الارهاب الستاليني، رغم عدم جدة هذه المادة، ان ما قامت به الدبابات السوفيتية من نقل للعملاء المدربين من موسكو إلى بولندا والمجر ورومانيا وبلغاريا، إلى تشيكسلوفاكيا والمانيا الشرقية، كانت في حينها احداث معروفة جيدا من قبل الغرب وتم توثيقها بكل امانة،وقد حذر رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وبعد ايام من استسلام المانيا النازية عام 1945، من عواقب شروع هؤلاء العملاء في خلق ليس فقط الاجواء الصديقة للنفوذ السوفيتي، بل ايضا في بناء ديكتاتوريات تستجيب مع الاوامر الروسية، وأكد على ان ستارا حديديا سيبني في قلب اوربا، وكان تشرشل اول من صاغ عبارة الستار الحديدي في رسالة بعثا إلى الرئيس الامريكي ترومان، وقبل عام واحد من استخدامه اياها علنا في فلتون، مثلما استخدم تعبيرا اخر هو ( ستالين الصغير) لوصف ماتياس راكوسي الهنغاري، ووصف كيف كانت المعارضة السياسية والاقتصادية والثقافية في المنطقة تقطع مثل شرائح سمك السلامي، وهذا التقطيع إلى شرائح تتابعه المؤلفة في بولونيا والمجر والمانيا، وتذكر ابليبيوم تفاصيل شحذ السكاكين في معسكرات التدريب في الاتحاد السوفيتي قبل انتهاء الحرب، وتزويد الشيوعيين من اوربا الشرقية بها، لكي يقوم العملاء الموثوقين بانشاء دوائر للشرطة السرية وكيفية السيطرة عليها في كل دولة تم تحريرها من السيطرة النازية، كما تسلط الاضواء على العاملين المعتمدين في الاذاعات، حيث كان الراديو السلاح الاعلامي الاكثر فعالية ضمن الاعلام الجماهيري، وكيف قام عملاء السوفييت، وبسرعة مثيرة للدهشة، بالغاء كل المؤسسات المستقلة، ابتداءا من اتحادات الشباب وانتهاءا بالوكالات المزدهرة والكنائس والاحزاب المعارضة، وعلى مدى سنوات عديدة تم ترحيل ملايين من الألمان والبولنديين والاوكرانيين والهنغاريين من منازلهم إرضاءً للطموحات السوفيتية الاقليمية، ملايين اخرى اعتبروا معارضين، تم اعتقالهم وتعذيبهم او ارسالهم إلى معسكرات العمل الاجبارية في سيبيريا، وفي هذا الجو الستاليني المرعب لم يبق احد بمنجاة عن الاعتقال او التعذيب، فبعد تطهير الحزب الشيوعي السوفيتي من عدد من قادته الكبار، تحول ستالين نحو تطهير قادة الدول الاشتراكية متهما اياهم بالخيانة العظمى واستعراضهم بعد اعترافتهم المذلة، هناك فوائد جمة في تذكير القراء بهذه الاحداث المؤلمة، وخصوصا بعد توفر المزيد من الوثائق، والاستماع إلى شهادات من بقي على قيد الحياة من شهود عاصروا تلك الاحداث، في مقدمة كتابها تقول المؤلفة بأن من الضروري تذكر هذه الاحداث التأريخية، وتلك الانظمة السياسية التي كانت تطمح للسيطرة الكاملة على مواطنيها، وتضيف بان علينا دراسة الية عمل الانظمة الشمولية، لكي نتجنب ان تتحول ما توفره التكنولوجيا الحديثة من انترنيت واجهزة الهواتف الخلوية والصور الواردة من الاقمار الصناعية، ادوات جديدة للسيطرة في اماكن اخرى من العالم، ويظهر حتى الان بأن هذه التكنولوجيا تصبح سلاحا ممتازا ضد الطغيان، كما تصر المؤلفة على ان الولايات المتحدة وبريطانيا وعدت شعوب اوربا الشرقية بمستقبل ديمقراطي ولكن كلتا الدولتين تخلتا عنهم لصالح السيطرة السوفيتية، ولكن ما ذا كان يمكن ان يصبح بديل الغرب ؟ في عام 1945 تركت ابواب اوربا الشرقية مفتوحة امام ستالين، لان الامريكان كانوا يكرسون كل جهودهم الحربية من أجل محاربة اليابان، وكانوا متلهفين لمشاركة ستالين في حرب الباسفيك، والمؤلفة لا تستغرق في تأملات وتخمينات حول افاق الاستعمار السوفيتي، وهي بالكاد تتطرق للاطروحات المعاكسة لبعض المؤرخين، بان ليس سياسة التهدئة المتبعة من قبل الغرب، بل بالاحرى السياسات المعادية للسوفييت هي التي استفزت ردود ستالين العدوانية، هؤلاء المؤرخين يدعون بان الولايات المتحدة هي التي دشنت الحرب الباردة، ودفعوا ستالين إلى اتخاذ اجراءات دفاعية مضادة، والمؤلفة تقدم ادلة جديدة ضد امثال هؤلاء المؤرخين .
ترجمة عن صحيفة : نيويورك تايمز
