قدر الأردن العربي الهاشمي أن يكون لأهله. وأهله كل العرب وكل المسلمين. وقُدر الأردن أن يمر بمحن كثيرة وأن بنجح في مخاضاتها الصعبة. قُدر للأردن أن يفتح ذراعيه للأشقاء دونما هدف أو غاية إلا الانسجام مع ذاته، مع مبادئه، مع قيمه العربية الأصيلة. فالأردن الفقير بموارده الغذائية وموارده المائية والمالية، غني بقراره الإنساني حتى وإن كان صعباً. غني بترفعه عن النظر إلى مكسب أو ربح أو غاية في نفس يعقوب، بل هو ملتزم بقراره الإنساني في المقام الأول وربك هو الرزاق الكريم.
أسوق هذه المقدمة لأعبر إلى موضوع تدفق الأخوة اللاجئين السوريين إلى أرض الوطن بعشرات الآلاف. جاؤوا في وقت عسير. وقت شح فيه الماء والغذاء، في وقت تعسرت فيه الولادة للخروج من المآزق المالية وعجز الموازنة، وفي وقت يسعى فيه المسؤولون للخروج من الأزمة الراهنة وهم يسيرون في طريق شائك. فالعجز يتزايد، والمديونية تتراكم، والدائنون ينظرون بحذر وترقب إلى إجراءات الحكومة كي يقدموا القروض إذا طلبت. يحدث كل هذا والأردن لا يمد يده، ولا يشكو، ولا يبيع مواقفه ومبادئه، والأهم من ذلك لا يغلق الحدود في وجه لاجئ سوري ملهوف وهو يعلم أن هذا الضيف لم يأت إلى الوطن ترفاً ولا سياحة ولا تغيير أجواء، بل جاء هارباً بنفسه وعياله وعرضه قاصداً أخيه الأردني الذي يعرفه، ويعرفه كل العرب مضيفاً كريماً عبر تاريخه. فتح أبوابه للشركس والشيشان، وفتح أبوابه لإحرار سوريا الفارين من وجه القبضة الفرنسية العاتية، وفتح أبوابه لإخوانه اللبنانيين بعد حربهم الأهلية في منتصف السبعينيات، وفتح أبوابه للعراقيين، وفتح أبوابه قبل ذلك للأخوة الفلسطينيين في أكبر هجرة عرفها العالم العربي حتى تاريخه، ووجدوا فيه الملاذ الآمن والأخوة الحقة. وها هو اليوم يستقبل عشرات الألوف من اللاجئين السوريين ويدرك جيدا أنه لا بد من الترحيب بهم على أرضه رغم ظروفه التي أشرنا إليها، والأردن في هذا يطبق القول المأثور الذي يعرفه العربي منذ القدم ويضعه موضع التنفيذ: «أرحموا عزيز قوم ذل». فالسوريون أخوة أعزاء، تاريخهم معروف، وثوراتهم ضد الغاصب المستعمر عبر التاريخ معروفة، وتضحياتهم في حروب الأمة مع إسرائيل لا تخفى على أحد، وهم الذين لم يقصروا في حق عربي لجأ إليهم سواء أكان من فلسطين أو من لبنان أو من العراق. وعليه فإن من حقهم علينا أن نفتح اذرعنا لاستقبالهم واقتسام الرغيف وشربة الماء معهم لأ منّاً ولا تفضلاً، بل واجباً عرف به الأردن طوال تاريخه المجيد. فهم على الرحب والسعة حتى تنجلي عنهم الغمة، ويعودوا إلى بلادهم سالمين غانمين وحمى الله الأردن العربي من كل سؤ.