من المعلوم ان مرحلة الشباب من اهم مراحل العمر، لانها مليئة بالقوة والحيوية والحركة والنشاط، وقد اوضح القرآن الكريم انها وسط بين مرحلتين، كلتاهما تتسم بالضعف كما في قوله تعالى : الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير (الروم :54)، فالمرحلة الاولى :هي مرحلة الطفولة وتبدأ من ساعة ولادة الطفل الذي لا يستطيع الحركة ولا التعبير، ولا يعلم شيئا، قال تعالى : والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون (النحل :78)، والمرحلة الثانية : هي مرحلة الشيخوخة والكبر، فالشيخوخة انحدار الى الطفولة بكل ظواهرها، وقد يصاحبها انحدار نفسي ناشئ عن ضعف الإرادة حتى يميل الشيخ الى ما يميل اليه الطفل، ولا يوجد له من إرادته عاصم، ومن الشيخوخة يكون الشيب الذي يشخص لنا هيئة الشيخوخة، ويعطينا صورة واضحة لمنظرها، وهذه الأطوار لا يفلت منها من يمد له في العمر، وهي تدل على تدبير العالم القدير. إن الاسلام يخص الشباب المسلم بكل احترام واجلال، ويجعله عدة للأمة، وثروتها التي لا تقيم بمال، وإن الله سبحانه وتعالى قد منح العلم والحكمة للشباب، قال تعالى في شأن يحيى عليه السلام : وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (مريم : 12)، وقال تعالى بحق يوسف عليه السلام : ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين (يوسف : 22)، وعن طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يباهي الله بالشباب العابد الملائكة . وتكريما لفئة الشباب كان الرسول القائد عليه السلام يختارهم لأعظم القيادات والمهمات، فقد اختار الرسول الكريم أسامة بن زيد لقيادة الجيش وإمارته عندما علم أن الروم تجمعت لقتال المسلمين وكان عمره لا يزيد عن ثمانية عشر عاما، وفي الجيش كبار الصحابة مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما تولى أبو بكر الخلافة بعد وفاة الرسول الكريم، كان اول عمل قام به انفاذ جيش أسامة رضي الله عنه، وقال لا احل لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر أسامة ان يركب فرسه، وان يقود الجيش، وقام يسير بجواره وأخذ بزمام فرسه بنفسه. الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة للشباب في القول والعمل، فكان لزاما عليهم أن يقتدوا بهديه وينتفعوا بتوجيهاته ليعيشوا سعداء، قال تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وحتى يبعدوا عن أنفسهم شبح التعاسة والشقاء التي أخبر عنها الله عز وجل بقوله: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، والذي ينظر إلى واقع الناس يستطيع بما أعطاه من علم وحكمة أن يودع في ضمائرهم وعقولهم هذه السمات الراشدة من سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تبقى منارة وسراجا هاديا للأجيال وبدون أن تقتفي الأمة أثرها تبقى متعثرة في مسيرتها الإنسانية والحضارية، لأن عمى البصيرة لا يصنع أمة كتب الله لها القيادة والريادة إن تنكبت عن سواء السبيل. [email protected]
